الجمعة، 18 نوفمبر 2011

المتطفلون


المتطفلون
قصة قصيرة 

لا أحبُهم ،
 ولا أكرههم ،
         لكنني أخشاهم .
أخشي أعينهم التي تترصدُني كأنني قادمٌ من عالمٍ آخر . فتحاصرُني نظراتهُم لتنصبَ فخاخَها أنَّي توجهتُ ، مما دوما يدفعني للتحوصلِ داخلَ ذاتي ... أبحثُ عن مخبأ ، فلا أجدُ إلا نفسي خيرَ ملاذ ،فيعيبون عليَّ اختبائي ، وينعتونني بالانطوائي ، وهو السبيلُ الوحيدُ لحمايتي من تربصهم .
 ماذا يضيرُهم كائنٌ بائسٌ له الحقُ مثلهم في الحياة ؟... أوليس في هذا الكون الرحب متسعٌ لكائن ضعيف مثلي ؟!... كم أتوقُ إلي دفء أشعة الشمس الذهبية ، كم تاقت نفسي لنسماتِ الصباحِ ، ونفحاتِ الزهورِ وأريجها في أوج الربيع . كم اشتقتُ لمراقبة الصبية يلعبون ويرتعون علي سجادة الطبيعة الخضراء المزينة بشتي ألوان الزهور .. اشتقتُ لصياحهم وضحكاتهم المختلطة بتغريد البلابل وحفيف الغصون . ليتني أستطيعُ المرحَ معهم .. ليتني أنطلقُ متنسما ضوءَ النهار .
 لا..  فالأمرُ يحتاجُ إلي بعض التروِ ، فهو لا يخلو من المغامرة . لكن ، إنهم مجردُ أطفال صغار .. لن ينتبهوا لوجودي ، خاصة أنني لن أضايقَهم أو أسببَ لهم أيَّ مصدرٍ للإزعاج ... ماذا يضيرُ من المحاولة ؟! .. سأسير كعادتي في هدوءٍ شديدٍ ، بمحاذاة السياج الشجري المحيط بالحديقة ، سأرقبُهم من بعيد .. ألمحُ في وجوههم براءةَ الملائكةِ وطُهرَ العذاري ، حتي لو انتبهوا لوجودي ، لا أعتقدُ أنهم سيقدمون علي أية حماقة ..
 حسنا .. هانذا أخطو أولي خطواتي ..
 اللَّــه ..
أخيرا !!
 ما أروعَ دفءَ الشمس .. ما أجمل أشعتها ، حين تبثُ حرارتها في جسدي لتبعث فيه الدفء من جديد .. وما أرقَّ  نسماتِ الربيع التي تنسابُ حرةً طليقةً ، في موجات متعاقبة تحملُ في طياتها أبلغَ هِبات الحياة .. بل هي الحياةُ تتنقل في نعومة بين الأحياء لتمنحهم سرَ الوجود ..
 حقا  ما أروع هذا الكون ..
 فجأة، صرخ أحدُ الصبية :
-       انظروا !!
ولم ينتظر تعقيبا من قرنائه بل انطلق كسهم راشق نحو الجسد الهزيل ، وقف الصبيةُ يراقبون المشهد في فضول وتحفز .. مد الصبيُ يدَه في جرأة يحُسدُ عليها ، وأحكم قبضته .. لكنه سرعان ما سحب يده كالملسوع صارخا في ألم :
-       آآآه .. يا لك من قنفذ لعين .
وعاد ممسكا كفه وسط ضحكات الصبية وصيحاتهم ، بينما انطلق الجسدُ الضئيل ليتواراي مجددا داخل جحره الذي لم يكدْ يبتعدُ عنه إلا خُطوات .


تـمـت
السيد فهيم