الأحد، 4 ديسمبر 2011

الساعد


الساعد
قصة قصيرة
تأليف: السيد فهيم 

عدلت المذيعة الحسناء من هندامها وداعبت بأناملها المنمقة بعناية بالغة خصلات شعرها المرسل في رقة خلف رأسها وتهيأت لبدء تصوير الحلقة ... أعلن المخرج بدء العمل ..
-         أكشن .
فاقترب المصور بعدسته من إحدي السيارات القابعة أمام ورشة الميكانيكا وقد شرع العاملون في إصلاحها  بهمة ونشاط وتركيز شديد... اقتربت المذيعة وقد لفت نظرها تلك القدم الصغيرة المطلة من أسفل السيارة المعطلة.... انحنت قليلا و اقتربت معها الكاميرا وقالت في رقة :
-         صباح الخير.....
 انتظرت لحظات حتي خرج الجسد الضئيل من تحت السيارة مطلا بوجه أكثر ضآلة ملؤه براءة طفولية وإن ارتسمت عليه ملامح جادة تكسبه سنا أكبر من سنه .... كان الوجه ملطخا بالسواد أثر الشحم والعادم والزيت المنحرق حتي لاتكاد تري منه إلا بياض عينين اتسعتا عن آخرهما في مفاجأة ممزوجة بسعادة بالغة حينما رأت الكاميرا .. هتف الصبي غير مصدق :
-         التليفزيون ؟!!
 أومأت المذيعة بابتسامة لطيفة تدربت عليها وهي تقول :
-         أيوه .. ممكن اتعرف بيك ؟
حاول أن يعتدل في جلسته .... رفع ساعده وهولازال ممسكا بيده المفتاح الذي كان يعمل به منذ وهلة محاولا أن يمسح الآثار التي علي وجهه بساعده ... لكنه زاد اتساخا اكثر وأكثر ... ثم نظر الي الكاميرا في ثقة وهو ييجيب :
-         أنا عبد الله .
سالته  وهي تتأمل ذلك الساعد الصغير وقد برزت منه عضلات تشي بقوة كامنة رغم ضآلة البنيان :
-         عندك كام سنة يا عبدالله ؟!
 أجاب دون تفكير كمن توقع السؤال :
-         سبعة .
 فتابعت الحوار :
-         بتشتغل في الورشة من زمان ؟!
 قال بشيء من الفخر :
-         من وانا صغير .
 وهنا انبري الأسطي صاحب الورشة والذي كان يتابع الحديث متعمدا أن يظهر في خلفية الصورة وهو ينظر للصغير في غيظ وحسد.. وقال بلهجة الخبير :
-    أمه جابتهولي من عمر أربع سنين ... ست غلبانة ما حيلتهاش م الدنيا غيره ... حاكم الواد يتيم .. انما انا بأه علمته وظبطته لحد ما بقي أسطي يعجبك .
 تجاهلته وعادت للصغير  متسائلة في لهجة غلبت عليها الشفقة لتشي بإجابة متوقعة...
-         مبسوط يا عبدالله؟! ...
 لكنها فوجئت به يجيب بلهجة بسيطة وتلقائية ...
-         الحمد لله ...
 تأملته لحظة وقد احتوت جسده الهزيل بعينيها  وكأنما شاركتها الكاميرا تأملها للصبي ففحصته  من أصابع قدميه الدقيقة المطلة من مقدمة حذاء مهتريء إلي ملابسه البالية التي كشفت عن قفصه الصدري ... حتي عنقه ذي العروق البارزة والوجه النحيف الذي لايحمل إلا عينين براقتين بالأمل إلي شعره الأشعث الأغبر ... ثم توقفت الكاميرا طويلا عند ساعده النابض بالعنفوان وأصابعه القابضة علي المفتاح في قوة ومباهاة كمن يرفع شهادة تفوق ... وكان السؤال الأخير والذي أكد المخرج علي أهميته ...
-         كان نفسك تبقي إيه لما تكبر ؟!...
ابتسم الولد في سعادة وقد برزت لآليء فمه للمرة الأولي ... أخذ نفسا عميقا ليشبع صدره بالهواء وقال  في ثقة وقد رفع جبينه في شمم ...
-         إن شاء الله هابقي ظابط .



تمت 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق