الجمعة، 15 فبراير 2013

أهل الكهف



أهل الكهف
قصة قصيرة  
آخر ما يذكره حين هوي،
تناثرت هتافاته تحت الأقدام المذعورة : الشعب يريد إسقاط النظام .
أفاق كفتية الكهف من غفوةٍ طالت،
ظنها يوما أو بعض يوم،
وجد جسده المسجي ممددا علي الفراش، ينوءُ بآلامٍ رهيبة ..
بتروا ذراعه اليمني،
نزف من الدماء أنهارا،
وذرف عليه الأحباء شلالاتٍ من الدمع طوال غيبوبته.
لم يكترث بآلامه ولا بدموعهم فقط سألهم :
-         أخبار الثورة إيه؟!
أجابوه بما أثلج صدره، وأراح فؤاده:
-         مبارك تنحي.
هتف محاولا رفع ذراعه المبتورة:
-         الله أكبر.
قفزت العيونُ من المحاجر وخرست الألسنة، تطوع صديقٌ رابط الجأش:
-         اضطروا يقطعوا إيدك .. خافو من الغرغرينة.
اختنقت الكلمات في حلقه وهو يردد:
-         الحمد لله، المهم إنها راحت بفايدة .. عايز أروح الميدان.
عاونوه علي الخروج، واتجهوا صوب الميدان، فوجئ بدخان كثيف وصرخات مدوية: يسقط .. يسقط حكم العسكر.
تملكته الدهشة، فلخص له أحد رفاقه ما فاته أثناء غيبوبته التي طالت لأشهر.. تأمل مكان ذراعه المبتورة في أسي، ورفع ذراعه الأخرى هاتفا في حماس:
-         الشعب يريد إسقاط النظام.
واحتدمت المواجهات، وأمطرت سمواتُ النظام بالخرطوش والدخان المسيل للدموع.. وتدافعت جموعُ الثوار في كل مكان، بين كر وفر، وهتاف وسباب.
وكان آخرُ ما يذكره حين هوي،
وتناثرت هتافاته تحت الأقدام المذعورة : الشعب يريد إسقاط النظام.
أفاق كفتية الكهف من غفوةٍ طالت،
ظنها يوما أو بعض يوم،
وجد جسده المسجي ممددا علي الفراش، ينوءُ بآلام رهيبة ..
بتروا ذراعه اليسري،
نزف من دمائه انهارا، فلم يتبق سوي ما يكفل له سد رمق الحياة.
وذرفوا عليه ما استطاعوا من الدموع، وابتهلوا من أجله وتضرعوا للسماء،
وحينما أفاق، ظن أنه حلمٌ طال، أو كابوسٌ انتهي لتوه، بادر بالسؤال:
-         أخبار الثورة إيه؟!!
أجابوه بفتور:
-         رحل العسكر.
هتف بحرارة:
-         الله أكبر.
انتبه إلي غياب ذراعه اليسري، فتقدم نفسُ الصديق رابط الجأش وقال بأسي بالغ:
-         اضطروا يقطعوا إيدك التانية.. خافوا من الغرغرينة.
ابتسم في مرارة، وحاول أن يتحلي بصبر المناضلين:
-         الحمد لله، إنها راحت بفايدة، عايز أروح الميدان.
عاونوه علي الخروج، واتجهوا صوبَ الميدان، فوجئ بدخان كثيف وصرخات مدوية: يسقط .. يسقط حكم المرشد.
تملكته الدهشة، فلخص له أحد رفاقه ما فاته أثناء غيبوبته التي طالت لأشهر أخري.. لم يستطع رفع ذراعيه، لكنه مط عنقه ورفع رأسه هاتفا في حماس:
-         الشعب يريد إسقاط النظام.
واحتدمت المناوشات، واشتعل الميدان، وتطاير الشرر، وتكاثف الدخان، وبدأ الكرُ والفرُ، وتعالت الهتافات، وهطلت السماء بالطوب والحجارة،
و ...
وكان آخرُ ما يذكره حين هوي،
وتناثرت هتافاته تحت الأقدام المذعورة : الشعب يريد إسقاط النظام.
أفاق كفتية الكهف من غفوةٍ طالت،
ظنها يوما أو بعض يوم،
وجد جسده المسجي ممددا علي الفراش، ينوءُ بآلام رهيبة ..
حاول فتح عينيه،
غلفه ظلامٌ مطبق،
عاجله نفسُ الصديق رابط الجأش بقوله:
-         الإصابة كانت خطيرة، فقعوا عنيك.
خيل إليه أنه يبتسم في حسرة، وردد في ثبات:
-         الحمد لله .. ما قربوش من لساني ...
وصرخ صرخة هائلة، هاتفا بكل ما بقي لديه من عزيمة:
-         الشعب يريد إسقاط النظام.
تمت
السيد فهيم 

شاهد إثبات



شاهد إثبات
قصة قصيرة

 فارقت الروحُ الجسد،
أو هكذا هُيئ له!!
فقد وقف مشدوها، كتمثال جليدي تذوبُ تفاصيلُه ببطءٍ شديد.
فتنفلتُ منه الروحُ كقطراتٍ، سرعان ما تتبخرُ مفارقة كيانَه المصبوغَ بالفَناء.  
وقف حائرا، يَرْقبُ الأجسادَ المندفعة في هلع نحو الجسد المسجي علي الأرض، والذي سقط لتوه ليرتطمَ الرأسُ بالرصيف الإسفلتي، محدثا رذاذا دمويا تناثر حوله قبل أن يستقرَ وسط بركة من الدماء.
لا أمل في العودة .. فقد رحل بعد أن أطلق صيحته الأخيرة:
-         يسقط .. يسقط .. حكم الـ .. .
بتر هتافه رغما عنه، فقد باغتته الرصاصة من حيث لا يدري، فانفلت جسدُه مخلفا روحَه الملتاعة لتكمل هتافه:
-         الـ..  خونة.
انشغل المحيطون بكتلة اللحم الملقاة بلا حراك، بينما طاردت عيناه القاتل الذي اندس وسط الجموع متأملا فريسته في حذر.
كيف لم ينتبه إليه الآخرون وعينُه المحدقة تشي أنه الفاعل؟!
تفاصيل الجريمة مطبوعة علي صفحة وجهه الغادر،
أشار بيده تجاه القاتل فوجد أصابعه تبخرت، صاح بهم:
-         ذلك قاتلي.
فتبخرت حروف كلماته هي الأخرى وسط ضجيجهم، ولازالوا عاكفين علي الجسد الفاني، صرخ فيهم:
-         لا أمل في تلك الكتلة من اللحم المخلوط بدم بلا حياة.. أدركوا الحقيقة قبل فوات الأوان .. أدركوا قاتلي .. فهو الصندوقُ الأسودُ في قاع اليقين.
لم يعيروه اهتماما، صرخ مجددا:
-         تلك الكومةُ سيواريها الترابُ، ويلتهم ثناياها الدود، أما الحقيقةُ فهي الأولي منكم بالعناء.
حاول أن يتدارك ما بقي من كتلة الجليد، لكنها سرعان ما تآكلت وسط تجاهلهم لنداءاته .. ففاضت روحُه متسربة كسحابة من دخان قدسي القوام،
بات الأمرُ مقضيا،
فقد تلاشي ما بقي من كتلة الجليد ..
وحلقت الروحُ صاعدة إلي باريها ..  
وهناك..
في منطقة فارقة ..
 لا زمان فيها  ولا مكان ..
أبصر القاتلَ ينحني علي جسده وقد استتر بوجه يهوذا،
سمعه يصرخُ في لوعة قابيل:
-         اسعااااااااف.
هنالك..
حيث امتزجت دموعُ التماسيح، بالدماء المقدسة...
وكان هو ..
شاهدُ الإثبات الوحيد.
                                                                                                           تــمــــت
        السيد فهيم