شاهد إثبات
قصة قصيرة
فارقت الروحُ
الجسد،
أو هكذا هُيئ له!!
فقد وقف مشدوها، كتمثال جليدي تذوبُ تفاصيلُه ببطءٍ شديد.
فتنفلتُ منه الروحُ كقطراتٍ، سرعان ما تتبخرُ مفارقة كيانَه المصبوغَ
بالفَناء.
وقف حائرا، يَرْقبُ الأجسادَ المندفعة في هلع نحو الجسد المسجي علي الأرض،
والذي سقط لتوه ليرتطمَ الرأسُ بالرصيف الإسفلتي، محدثا رذاذا دمويا تناثر حوله قبل أن يستقرَ وسط بركة من الدماء.
لا أمل في العودة .. فقد رحل بعد أن أطلق
صيحته الأخيرة:
-
يسقط .. يسقط .. حكم الـ .. .
بتر هتافه رغما عنه، فقد باغتته الرصاصة من
حيث لا يدري، فانفلت جسدُه مخلفا روحَه الملتاعة لتكمل هتافه:
-
الـ..
خونة.
انشغل المحيطون بكتلة اللحم الملقاة بلا حراك، بينما طاردت عيناه القاتل
الذي اندس وسط الجموع متأملا فريسته في حذر.
كيف لم ينتبه إليه الآخرون وعينُه المحدقة تشي أنه الفاعل؟!
تفاصيل الجريمة مطبوعة علي صفحة وجهه الغادر،
أشار بيده تجاه القاتل فوجد أصابعه تبخرت، صاح بهم:
-
ذلك قاتلي.
فتبخرت حروف كلماته هي الأخرى وسط ضجيجهم، ولازالوا
عاكفين علي الجسد الفاني، صرخ فيهم:
-
لا أمل في تلك الكتلة من اللحم المخلوط بدم
بلا حياة.. أدركوا الحقيقة قبل فوات الأوان .. أدركوا قاتلي .. فهو الصندوقُ
الأسودُ في قاع اليقين.
لم يعيروه اهتماما، صرخ مجددا:
-
تلك الكومةُ سيواريها الترابُ، ويلتهم ثناياها
الدود، أما الحقيقةُ فهي الأولي منكم بالعناء.
حاول أن يتدارك ما بقي من كتلة الجليد، لكنها سرعان ما
تآكلت وسط تجاهلهم لنداءاته .. ففاضت روحُه متسربة كسحابة من دخان قدسي القوام،
بات الأمرُ مقضيا،
فقد تلاشي ما بقي من كتلة الجليد ..
وحلقت الروحُ صاعدة إلي باريها ..
وهناك..
في منطقة فارقة ..
لا زمان
فيها ولا مكان ..
أبصر القاتلَ ينحني علي جسده وقد استتر بوجه يهوذا،
سمعه يصرخُ في لوعة قابيل:
-
اسعااااااااف.
هنالك..
حيث امتزجت دموعُ التماسيح، بالدماء المقدسة...
وكان هو ..
شاهدُ الإثبات الوحيد.
تــمــــت
السيد فهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق