الثلاثاء، 6 مارس 2018

مسرحية ( الأسرى )



حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف، ولا يجوز الطبع أو النشر أو التبادل بأي وسيلة دون الرجوع للمؤلف.

      الأَسْرَى
مسرحية


تأليف
السيد فهيم


شخصيات المسرحية حسب الظهور:
·       القائد                  يتسم بالجدية والصرامة
·       جندى1               متجهم على الدوام
·       جندى2               خفيف الظل – على سجيته
·       أسير1                شاردا حزينا
·       أسير2                ثوري يؤمن بقضيته
·       صاحب الحانة        ضعيف البنيان – يبدو ثملا رغم أنه لا يشرب
·       الزوجة               بدينة بصورة مبالغة – شرسة
·       الأم                    مثل كل أمهات العالم
·       الفتاة                   رقيقة – جميلة - يتمناها أيُ شاب
·       الراقصة                رشيقة – كالفراشة












برولوج

تتصاعد دقاتُ طبولٍ عنيفة وصاخبة، تشبه طبولَ الحربِ الكلاسيكية.
بانوراما ضخمة في الخلفية تظهرُ عليها وجوهٌ مخيفة لمقاتلين قُدامى من القبائل البدائية، صرخاتٌ شرسة بين حماسة المقاتلين وآلامِ الجَرْحى؛ تجسيدا لمعركة ضارية تتطورُ رويدا، رويدا إلى معركةٍ حديثة بالأسلحة المتطورة حيثُ تندمج أصواتُ طبولِ الحرب الصاخبة بأصوات طلقاتِ الرَصاص والإنفجارات المروعة وأزيز الطائرات الحربية إلخ.. لتتحول الصورةُ إلى معركةٍ حديثة.
قد نرى وجوه أبطال المسرحية - الأسيرين والجنديين والقائد - في تبادل إطلاق النيران.  
لقطات سريعة على وجوههم تبرزُ ملامحَهم وتركزُ على تعبيراتِ الوجهِ والعينين لتوضحَ استبسالهم وضراوتهم في القتال.

إظلامٌ مفاجئ، وصمتٌ مُطبِق يغرقُ خشبة المسرح.

ثم فلاشر سريع مع تصاعد أصوات نبضات قلب، ثم لا تلبث دقاتُ الطبول أن تنبعثَ من جديدٍ لتسيطرَ على الأجواء مع إضاءة شاحبة تدريجية لتبدأ أحداثُ المسرحية..

لا توجد لدينا مشاهد مستقلة، فالأحداثُ تدورُ في إطار زمني ومكاني ونفسي واحد، فقط ننتقل بخدع الإضاءة عبرَ المكانِ والزمان.







المنظر:-

زنزانة في معسكر قتال .. خيمة كبيرة أو مغارة في باطن جبل، أو كابينة معدنية ذات قضبانٍ وفتحاتٍ للتهوية أو ما شابه حسب رؤية المخرج ومصمم الديكور.
الأسيران بزيهما الأحمر يجلسان راكعين ناكسىْ رأسيهما في ذلٍ وانكسار وهما مكبلان بالأصفاد، الجنديان يحملان سلاحيهما ويقفان في تحفزٍ يرتديان زيا أزرق اللون.
جميعهم يبدو عليهم آثارُ الإنهاك والتعب من أثرِ المعركة وجوهُهم ملطخة بالدماء والتراب.
الإضاءة ليلية شاحبة ..
يدخل القائدُ بخطواتٍ ثابتة يتأملُ الأسيرين بوجهٍ جامد، ثم يتوجهُ بالحديث للجنديين.

القائد    : هذان هما الأسيران؟!
جندى1 :  نعم يا سيدي القائد.
القائد    : انتبها جيدا .. فهما خطران للغاية .. لذلك عزلناهما عن باقي الأسرى.
الجنديان: أمرُكَ يا سيدي.
القائد   : وفى الصباح سأتولى استجوابَهما بنفسي.. فاستخراجُ المعلوماتِ يحتاجُ إلى مهاراتٍ
             خاصة .. كما يحتاجُ إلى ذهنٍ صافٍ، ومعركةُ اليومِ كانت مرهقةً للغاية.   
الجنديان : (يقاومان التثاؤب) نعم يا سيدي.
القائد    : هذان الأسيران في عهدتِكما الليلة .. فلا تَغفلا عنهما.
الجنديان : أمرُكَ يا سيدي.
القائد    : (يكرر مؤكدا) لا تغفلا .
الجنديان : (يقاوما التثاؤب) أمرُكَ يا سيدي.
(يخرج القائد بينما يقف الجنديان في تحفز يرقبان الأسيرين وهما يقاومان النوم)
جندي2 : ذهب قائدُنا لينام .. بينما سنظلُ نحنُ متيقظيْنِ حتى الصباح .. بعد معركةٍ دامت
            ساعاتِ طويلة من النهار .. هل هذا عدل؟!
جندى1 : (فى صرامة) انتبه لكلامِك أيها الجُندي.
جندى2 : (متهكما) أمرُكَ يا صاحبَ الفخامة ..
جندي1 : تهزأُ بى؟!
جندى2 : أنتَ من تنصبُ نفسَك دائما قائدا علىّْ، رغم أنك مجرد جندي مثلي.
جندى1 : أردتُ فقط أن أنبهَك .. فأنتَ دائما تتفوهُ بكلماتٍ قد تعرضُك للمحاكمة.
جندي2 : (مستنكرا) هل ستبلغُ عنى؟!
جندي1 : (بغلظة) نحنُ في حرب .. وكلُ كلمةٍ لها خطورتُها.
جندي2 : هذا أثناءَ المعركة .. أما الآن، فلسنا في ساحةِ القتال.
جندي1 : نحن في نوبة حراسة .. حراسة هذين الأسيرين..
جندي2 : (مقاطعا ليكمل في تهكم ) الخطرين .. نعم .. نعم .. أدركُ ذلك تماما.. حفظتُ كلماتِ
            سيدي القائد .. فقد كررها أكثرَ من عشرِ مرات ..
جندي1 : (غاضبا) عدتَ ثانية للسخريةِ من سيدي القائد ..    
جندي2 : (معترضا) أنا لا أسخرُ من سيدي القائد.
جندي1 : بل تسخرُ من سيدي القائد.
جندي2  : قلتُ لك لا أسخرُ من سيدي القائد.
جندي1 : بل تسخر.
جندي2 : لا أسخر.
أسير1  : (متهكما) حمقى.
جندي2 : (لجندي1 مستنكرا) ماذا قلت؟!
جندي1 : لم أقلْ شيئا ..
جندي2 : (لأسير1) أنت من تكلم؟!
جندي1 : (فى غضب) من أذِنَ لك بالحديث؟!
أسير2  : غدا ستتوسلون إلينا لنتكلم.
جندي1 : غدا  .. أما الليلة فعليكم بالتزام الصمت .. الكلام ممنوع.
أسير1  : أنتما مجردُ حارسين .. لا سُلطانَ لكما علينا ..
جندى2 : أسيران وتتجرآن علينا؟! .. نحنُ من نملكُ الأمرَ والنهىَ هاهنا.
أسير2 : بل أنتما مسكينان .. عليكما أن تظلا متيقظين حتى الصباح .. أما نحنُ فقد نهنأُ
             بالنومِ والراحة، ربما لساعاتٍ طوال.         ( يتثاءب )
(يتظاهر الأسيران بالنوم في غطيط مزعج – يبدو الغضبُ على جندي1)
جندي1 : (فى غلظة) وهل تظنان أننا سنسمحُ لكما بذلك؟! ... استيقظا .. استيقظا.
أسير2 : قائدُكما أمرَكما بالانتباه فقط .. ولم يأمرْكما بتنغيصِ منامِنا.
أسير1 : أحسنتَ قولا يا صديقي ..
جندي2 : (في فضول) أنتما صديقان؟!
أسير2 : (متهكما) تماما مثلما أنكما صديقان.
جندي1: (في تجهم ) لسنا صديقين .. نحن مجردُ جنديين في فرقة المشاة.
أسير1  : ونحن أيضا .. مجردُ أسيري حربٍ لديكما.
جندي2 : (في فضول) تعني أنكما لا تعرفان بعضكما من قبل؟
أسير2  : هل بدأ التحقيقُ مبكرا ؟!
جندي1 : أجب دون مراوغة.
أسير2  : لا .. لم أكن أعرفه من قبل.
جندي2 : رغم أنكما كنتما تقاتلان كتفا بكتف .. وظهرا بظهر .. وساعدا بساعد ..
            (ثم بميوعة) وساقا بساق .. وفخذا بفخذٍ .. و ..
جندى1  : (ينهره قبل أن يتمادى) إيه؟! ... إيه؟!
جندى2   : (في مراوغة) و .. قلبا بقلب!!
الأسيران  : جَمَعتنا قضيةٌ واحدة ..
جندي1   : ممارسةُ الإرهابِ والشغبِ ضدَ جنودِنا؟! .. أليس كذلك؟
أسير2   : بل الدفاعُ عن الحرية.
جندي2 : (يضحك في بلاهة) ها ها .. يقولُ حرية ؟!  
 (جندي1 يحدج جندي2 في غضب فيبتر ضحكته – ثم لأسير2 في صرامة)
جندي1 : نحنُ من أتينا لنحررَكم.
أسير1  : كذبة كُبرى ..
أسير2  : بل مُزحة بائسة غيرُ صالحةٍ للإضحاك .. أنتم تحرروننا ؟! .. ممن؟!
جندي1 :  من استبداد حكامِكم.
أسير1  : وأنتم ؟ .. ألا تمارسون الاستبداد؟!
جندي2 : (في سذاجة) نحنُ لا نحملُ لكم ضغينة.
أسير1  : ضغينة؟! .. تلك كلمة لا تتناسبُ مطلقا مع رائحةِ الموتِ التي تفوحُ في كل مكان
             تدنسوه بأقدامكم.
جندي2 : (فى دهشة حقيقية) أإلى هذا الحد تكرهوننا؟!
أسير2  : يكفى ما خلفتم من خرابٍ ودمارٍ في أوطاننا ..
جندي1 : ( بجمود ) تلك هي ضريبةُ الحرب..
أسير1  : ستطاردُكم لعناتُ الأمهاتِ والزوجاتِ والأطفالِ الذين تشردوا وقُتلوا في ساحات
            القُرى والمدائن .. ستطاردُكم أشباحُ المقاتلين الأحرار الذين ماتوا وهم يدافعون
             عن حريتهم.
جندي2 : (يردد في بلاهة) في سبيل الحرية لابد من بعض التضحية ..
            هكذا أخبرنا سيادةُ القائد.
أسير2 : ونحنُ على استعدادٍ بالتضحية من أجل بلادِنا وأراضينا.
جندي1 : كلماتٌ جوفاء، يتشدقُ بها البلهاءُ من المتمردينَ دونما جدوى.
أسير2  : أنتم من بدأتم بالعدوان ..
جندي1 : (صارخا في حدة) أنت لا تفهمُ شيئا.
أسير2  : وهل تفهمُ أنت؟!
(يشيح جندى1 في ضيق وصبرٍ نافذ فيتوجه أسير2 بالسؤال لجندى2 )
أسير2  : وأنت؟! .. هل تفهمُ شيئا؟
جندي2 : أنا ؟! .. لا ..  فالفَهمُ أحيانا يصيبُنا بالجنون .. وأنا لا أريدُ أن ألقى حتفيَ مجنونا.
أسير2  : تدركُ أنك ستلقى حتفَك هاهنا؟!
جندي2 : نعم .. فالحربُ خيارٌ بين مصيرين .. لا ثالثَ لهما .. إما الموت .. أو الموت .. هكذا
            أخبرنا سيدي القائد.
أسير1  : مادمتَ توقنُ أنك هالكٌ هنا لا محالة، فعلام كلُ هذا العبث؟!
جندي2 : قلتُ لك .. من أجلِ الحرية .. هكذا علمنا سيادةُ القائد.
أسير2  : أية حرية؟!
جندي1 : حريتكم.
أسير2  : حريتنا أن تكفوا أيديَكم عنا ..
جندي1 : أنتم وأمثالكم من يعطلُ مهمتَنا ..
جندى2 : وتقلقون مضاجَعنا أيضا .. وتنغصون أحلامَنا .. وتجبرانا أن نظلَ يقظَين طوال ليلة
            أخرى .. بينما سيادةُ القائدِ ينعمُ الآن بنومٍ عميق .. 

( إظلام عليهم وإضاءة على القائد يجلسُ على مكتبٍ صغير أعلى رأسه مصباحٌ خافت يتدلى من سقف خيمته -  يكتبُ رسالة إلى زوجته في تأثرٍ عميق )

القائد : زوجتي الحبيبة .. مثلَ كلِّ مرة أكتبُ فيها إليكِ، أقولُ لكِ ربما تكونُ هذه رسالتي
         الأخيرة .. فقد ألقى حتفيَّ قبل أن تصلَكِ هذه الرسالة .. لا أدرى متى تنتهي تلك
         الحربُ اللعينة؟! .. كأنها نشبت منذ الأزل .. ولن تنتهي إلا بنهاية العالم !!
         لكن تُرى هل سندركُ تلك النهاية؟! .. كلُ ما أتمناهُ الآنَ أن أراكِ، وأن  أرى طفلَنا
        الحبيب .. أتخيلُه الآنَ وقد بلغ عامَه الأولَ منذ عدةِ أيام، أرسلي لي صورتَه في أقرب
         فرصة .. وسأظلُ أوصيكِ بالعناية بنفسِك .. أرجوكِ يا زوجتي الحبيبة . لا تُهملي
        زيارة الطبيب.
( إظلام على القائد ثم إضاءة على زنزانة الأسرى )
جندى2 : رأسي يؤلمُني .. أتوقُ إلى إغفاءة ولو لبضع دقائق.
جندى1 : أنت تحلُم ..
جندي2 : أحلُم؟! .. ليتنى أدركُ جنة الأحلام ..
جندى1 : أقصدُ أحلامَ اليقظة .. فلن نهنأ بالنوم قبل أن نُسلمَ هذين الأسيرين في الصباح.
(يعلو صوتُ شَخيرِ الأسيرين- يُجنُ جنونُ الجنديين)
جندي2 : أيُ أسيرين؟! .. إنهما ينعمان بالنومِ والراحة كنزيلي فندق خمس نجوم!
جندى1 : (يلكز الأسيرين بكعب بندقيته) هيى .. أنتما .. استيقظا .. وإلا أغرقتكما بماء هذا
             الدَلوِ القذر.
جندي2 : أتعرفان هذا الدلو؟! .. إنه حصيلةُ يومٍ بليلة لكلينا .. وهذا الجنديُ بالذات لا يكفُ
           عن التبولِ صباحَ مَساء .. يبدو أنها هوايته المفضلة.
جندي1 : اصمت أيها الجندي .. ألا تكفُ عن الثرثرة.
جندي2 : لو توقفتُ لحظةً عن الكلامِ لغلبني النومُ .. وسأتعرضُ لغضبِ سيدي القائد.
 جندي1 : (للأسيرين بغلظة) أنتما .. استيقظا .. وإلا أوسعتكما ضربا أنا وزميلي هذا.
جندي2 :  تحدث عن نفسك .. أنا شخصيا لا توجد بيني وبينهما أيُ عداءات سابقة.
جندي1 : عداءات؟! .. وهل نسيتَ المعركة؟! .. نسيتَ الحربَ الناشبة بيننا وبين هؤلاء
             الغوغاء؟!
جندي2 : نسيت .. هذا شأني .. أنسى كلَ عداءاتٍ بالليل .. وحينَ الصباحِ يكونُ لي شأنٌ آخر،
            ربما أنساك أنت أيضا.
جندي1 : (في غيظ) أهذا قدري؟!.. أن أقضىَ نهاري في أتونِ معركةٍ ضارية .. ثم أبيتَ ليلتي
            وسط مجموعة من البُلهاءِ والحمقى؟!
أسير2 : احذر أيها الجندي .. لن نسمح لك بالتطاول ..
أسير1 : عليك فقط أن تحرسَنا وتسهرَ على مراقبتنا ، بينما نحنُ نغطُ ُفي نومٍ عميق.
(يعودان للنوم مرة أخرى .. يصرخ جندى1 فيهما وهو يوجه فوهة بندقيته إليهما)
جندي1 : استيقظا قلتُ لكما .. وإلا سأفرغُ هذه الطلقاتِ في رأسيكما .. (صارخا) استيقظا ..
جندي2 : هل جننت ؟! .. ستقتلهما حقا؟!
جندي1 : لو تماديا في استفزازنا .. ضغطة واحدة وينتهي أمرُهما.
جندي2 : وماذا ستقولُ لسيدي القائدِ في الصباح؟!
جندي1 : سأقولُ له أنهما حاولا الهربَ ، فأرديتهما قبل أن يتمكنا من ذلك.
جندي2 : وهل سيصدُقك؟!
جندي1 : ولم لا؟!
جندي2 : ألم تخبرني بنفسك مرارا أن سيدي القائدَ يعلمُ كلَ شيء يحدثُ في المعسكر؟! ..
            يحسبُ علينا أنفاسَنا .. ويرصدُ حركاتِنا وسكناتِنا، وربما تسلل خِلسة إلى أحلامِنا،
            ليعلمَ ما يجولُ بخواطرِنا ؟! .. أم نسيتَ كلامَك؟
 أسير1 : (غارقا في الضحك) ها ها ها .. هو قال لك ذلك؟!
أسير2 : حتى الأحلام .. قائدُكم يتسللُ إليها؟! .. ألم أقل لكما أنكما مسكينان؟
(يغرق الأسيران في ضحك مستفز مما يدفع جندي2 لنهر جندي1 في غضب وحنق)
جندي1 : أرأيت أيها الغبي؟! .. لقد أفشيتَ سرا من أسرارنا .. وجعلتنا أضحوكة لهذين
            الشقيين.
جندي2 : أنت من جعلنا أضحوكة بتهورك واندفاعك .. ماذا يضيرُك لو غرقا في النوم؟! ...
            (ثم هامسا في رجاء) ربما تكونُ فرصة لنا لنخطفَ ساعةً من النومِ نحنُ أيضا؟!
جندي1 : وما أدراك أنها ليست خدعة ليغافلانا ويلوذا بالفرار؟!
جندي2 : لو نجحا في الفرارِ من حراستِنا .. لرصدَهما عشراتُ الجنودِ بالخارج ..
جندي1 : نعم .. ولعاقبنا سيدي القائدُ على غفلتنا وتقصيرِنا في أداءِ مهمتنا ..
جندي2 : وما الحلُ إذن؟!
جندي1 : الحلُ أن يظلا متيقظين حتى الصباح .. وألا نغفلَ عنهما لحظة.
جندي2 : (في بساطة) إذن فلنتسامَرُ ما بقي لنا من ساعاتِ الليل.
جندي1  : (في استنكار) نتسامَرُ؟! .. مع أسيرين؟! .. هل جننت؟!
جندى2 : سيدي الزميلُ الجُندي .. مالا تعرفُه عني .. أنني مجنونٌ بالفطرة .. فلقد قضيتُ
           جُلَ حياتي بين السُكارى والمخمورين .. لم أصادف في حياتي مستفيقا أوعاقلا قط
           حتى سيدي صاحبَ الحانة .. لم يكن محسوبا على العقلاء بأى حالٍ من الأحوال ..
(يظهر صاحبُ الحانة يترنحُ ويتحدثُ بلسانٍ ثقيل كأنه ثمل - يؤدي حركات جسدية كوميدية تجسيدا لوصف الجندي)
جندي2 : فقد كان رجلاً متقلبَ المزاج .. ثائرا على الدوام، ساخطا على كلِ شيء .. غاضبا
           من أيِ شيء .. ناقما على زبائنه رغم أنهم مساكينٌ يبذلون نقودَهم لا من أجل شيء
           سوى أن يعودوا إلى بيوتهم فاقدي عقولِهم، وماسحي ذاكراتِهم .. كان يبدو ثمِلا
          علي الدوام .. رغم أنه كان يعافَ الخمرَ .. لا تدينا ولا استقامة .. ولكن لأنه كان
          يحرصُ كلَ الحرص ألا يُضّيعَ مالَه في لهو أو ترف .. فقد كان بخيلا مقترا .. لكنه ما
          كان يبخلُ عليَّ ببذاءاته الفياضة .. وطولِ لسانه الذي يقطرُ سُمَّا.
صاحب الحانة : (صارخا في غضب) أين أنت أيها الأحمق؟!

(يسرع جندي2 لتلبية نداء صاحب الحانة وقد أحاط خصره بمنشفة تناسب طبيعة عمله في الحانة - ويدور بينهما الحوار التالي كفلاش باك بينما الأسيران وجندي1 يتابعون الحوار بحيادية من خارج الحدث)

جندي2        : هأنذا يا سيدي ..
صاحب الحانة : أين كنت يا أحمق؟!
جندي2        : إلى جوارك يا سيدي .. لم أفارقك كظلك.
صاحب الحانة : ظلي؟! ..وما شأنُك أنت بظلي .. هل تعملُ في خدمتي، أم في خدمةِ ظلي؟!
جندي2        : (في دهاء مصطنع) بل في خدمةِ الزبائن يا سيدي.
صاحب الحانة : (يصفعه على قفاه بقوة) أحسنتَ أيها الأحمق .. يبدو أنك بدأت تُعمِلُ عقلك
                  وتعي ما أعلمُك من دروس.
جندي2        : (يتحسس قفاه فى ألم) تلميذُك يا سيدي.
صاحب الحانة : أحسنتَ قولا أيها الأحمق ..
 (يهم بضرب الجندى علي قفاه لكن الجندي يفلت منه في مراوغة ضاحكا في ظفر)
جندي2       : ها ها ها ..
( فيتداركه صاحبُ الحانة بيده الأخرى فيصيبه – يهتفُ الجنديُ فى مجاملة وهو يتألم )
جندي2        : شرفٌ لى يا سيدي .. أيّما شرف.     
( ثم يفرُ مبتعدا عن يد صاحب الحانة)
صاحب الحانة : لا تخف .. لا تخف .. يكفيك ما نلتَ من الشرف الليلة.
جندي2        : أشكرك يا سيدي ..
صاحب الحانة : أريدُك  أن تعيَ جيدا ما ألقنُك من دروسٍ هي خلاصةُ تجربتي العظيمةِ في
                   الحياة .. فأنا أديرُ هذه الحانةَ من قبل أن تولدَ أنت بسنواتٍ طويلة ..
جندي2        : أعلمُ يا سيدي ..
صاحب الحانة : وأريدُك أن تكونَ خليفتي في أرض المعارك.
جندي2        : عفوا يا سيدي .. لا أفهم.
صاحب الحانة : لأنك أحمق .. ألا تعرفُ أننا في سجالٍ دائمٍ مع زبائن الحانة؟!
جندي2        : زبائننا ؟!.. إنهم أغلبَ الوقت فاقدو العقل يا سيدي .. كيف نناصبُهم العداءَ
                  وهم مخمورون؟!
صاحب الحانة : ليس عداءً بالمعني الظاهري .. لكنه صراعٌ مجازي .. قل لي  أنك لم تفهم.
جندي2        : بالطبع يا سيدي .. فأنا كما تعلم .. أحمق.
صاحب الحانة : وهذا أكثرُ ما يعجبني فيك .. فليس هناك أفضل من الحمقى لإدارة الحانات.
جندي2        : أشكرك يا سيدي على هذا الثناء.
صاحب الحانة : أنت تعلمُ انني لا أثقُ في أحدٍ بسهولة ..
جندي2         : أعلمُ يا سيدي.
صاحب الحانة  : بل لا أثقُ في أحدٍ مطلقا ..
جندي2         : هذه سمةُ المديرين الناجحين يا سيدي.
صاحب الحانة : (محذرا) ولا أحبُ التملقَ والرياء ..
جندي2         : معلومٌ يا سيدي .. فأنت رجلٌ فظ ..
صاحب الحانة  : ماذا؟!
جندي2         : (مصححا) فذ .. فذ .. لا تخشى في الحق لومة لائم.
صاحب الحانة  : هكذا علمتني معاشرةُ السُكارى والمخمورين .. ألّا أخشى مخلوقا أيا كان ..
(يسمع صوت الزوجة تنادي من الداخل في وحشية)
ص. الزوجة  : أنت يا أحمق ..
صاحب الحانة : (في خوف) إلا زوجتي بالطبع ..
(تدخل الزوجة ثائرة هائجة)
الزوجة        : أنت يا أحمقَ الرجال .. تتركُني بمفردي بالداخل .. لتقف هاهنا تثرثر مع ذلك
                  الغبي؟!
جندي2        : (مصححا) أنا الأحمقُ يا سيدتي ..
الزوجة         : لست أقلَ حُمقا وغباء من سيدك ..
جندي2         : أشكرُك يا سيدتي ..
الزوجة         : وأنت يا شر من بلاني به الزمن .. تتركُني حتى هذه الساعةِ دونَ طعام؟! ..
صاحب الحانة  : كنتِ نائمة يا عصفورتي .. لم أشأ أن أزعجك.
 الزوجة        :  تركتني نائمة حتى أيقظتني خفافيشُ الجوعِ التي تنعقُ في بطني!
                   (ثم صارخة بوحشية) أين الطعامُ يا رجل؟!
جندي2        : أسرع يا سيدي.. اعمل معروف .. قبل أن تلتهمك وتلتهمني معك ..
صاحب الحانة : أمرُكِ يا زوجتي الحبيبة .. انتبه للحانة أيها الأحمق.
جندي2        : لا تقلق يا سيدي .. انتبه أنت لنفسك.
الزوجة        : هيا رجل .. فأنا اتضورُ جوعا..
احب الحانة   : لحظاتٍ ويكونُ الطعامُ في فمك .. (مداعبا) يا ملاكيَ الجائع.
الزوجة        : (تدفع زوجها في غلظة) هيا يا رجل .. هل خلا قلبُك من الرحمة ؟!
(يختفي صاحبُ الحانة مع الزوجة – يعود جندي2 للحديث مع الأسيرين)
جندي2 : كانت تتناولُ في اليوم مائةَ وجبة .. ولا تجيدُ طهى صِنْفٍ واحدٍ من الطعام .. ورغمَ
            ذلك تطلبُ من سيدي الرحمة .. لو كنتُ مكانه لدسستُ لها السُّمَ في أول وجبة
            وأرحتُها وأرحتُ العالمَ منها .. رحمة بالبشرية.
الأسيران : (يضحكان في صوت صاخب) ها ها ها ..
أسير1  : إذن فقد كنت تعملُ في حانة؟!
جندي2 : بلا فخر .. منذ نعومة أظافري.
أسير2 : وكيف أتيتَ إلى هذه الحرب؟!
جندى2 : هربتُ من صاحبِ الحانة .. وتقدمتُ طواعية لألتحقَ بالجندية.
جندي1 : ألن تكفَ عن الثرثرةِ أيها الجندي؟!
جندي 2 : سبق وأخبرتك أننى لو كففتُ عن الكلامِ لغلبني النومُ .. وأنتَ أيضا .. أفضلُ لك أن
            تشاركنا في الثرثرة.
جندي1 : ولو علم سيدي القائد؟!
أسير2 : لا تخف .. لن نخبرَه بشيء.
جندي1 : من أذن لك بالكلام ؟! .. اصمت أيها الأسير.
أسير2  : أنت من أيقظنا .. إن شئت سنعودُ لنومنا .. وعودا إن شئتما لصمتكما.
جندي2 : لا .. لا .. أرجوك.. (ثم لجندي1 بضيق) أرأيت أيها الجندي نتيجة غلظتك وصلفك؟!
           ألم تكن تُلح في استيقاظهما منذُ قليل؟!
جندي1 : افعلوا ما شئتم .. أما أنا فلن أشاركَكم هذا العبث.
جندي2 : أفضلُ شيء .. دعنا نتسامرُ وقم أنت بدورِ صبي الحانة.
جندي1 : كف عن التهكم .
جندي2 : (مازحا) لم أطلب منك أن تقوم بدورِ الفتاة .
جندي1 : قلتُ لك كف عن هذا.
أسير1 : دعه وشأنه يا صديقي الجندي ..
جندي2 : (مندهشا) صديقي؟! .. هل قلتَ صديقي؟!
أسير1 : ولم لا .. على الأقل لنكن أصدقاءَ ما بقى لنا من ساعاتِ الليل.
جندي2 : لم يدعوني أحدٌ بصديقي قبل الآن.
أسير1 : من يدري .. ربما لا نلتقي مرة أخرى .. فليبق من ليلتنا هذه ذكرياتُ صداقةٍ عابرة.
أسير2 : أخبرنا باسمك أولا كي نوطدَ دعائمَ صداقتِنا المؤقتة.
جندي2 : (مبهوتا) اسمي؟!
أسير2 : نعم اسمك .. أم نشأت بلا اسم؟!
جندي2 : (يهرش قفاه) في الحقيقة  يا صديقاي .. اسمحا لي أن أدعوكما بصديقاي.
الأسيران : على الرحب والسعة .. تفضل.
جندي2 : في الحقيقة يا صديقاي الأسيران .. كان صاحبُ الحانة يدعوني دوما .. بالأحمق .
جندي1 : (ينفجر ضحكا) ها ها ها .. هذا كان رأيي دائما.
جندي2 : (في ضيق) ألم تقل أنك لن تشاركنا ؟!  
جندي1 : ها .. ها .. ها .. أحمق!!
جندي2 : (حانقا) ثم ما شأنُك وحديثِ الأصدقاء ؟! .. (للأسيرين ) ألسنا أصدقاء؟!
أسير2  : مؤقتا.
جندي1 : أصدقاء؟! .. إنهما يتملقانك .. يستدرجانك يا .. أحمق.
جندي2 : لا شأن لك .. لا أملكُ ما يتملقني أحدُهم من أجله .. وأنتما يا صديقاي الأسيران ..
             ما اسمكما؟! .. أعني ما اسمك؟! .. أنت ..    ( يشير إلى أسير1)
 أسير1 : أنا .. أمي كانت تدعوني دوما .. يا صغيري.
جندي1 : ها .. ها .. ها .. ألم أقل لك؟! .. إنهما يستغفلانك .
جندي2 : هذا شانٌ خاصٌ بين الأصدقاء .. ماذا تعرفُ أنت عن الصداقة؟!
جندي1 : واجبي أن أحذرَك .. تصادق مع الذئابِ كما تشاء، لكن لابد أن يكونَ سلاحُك دوما
            مستعدا.
جندي2  : وفِر نصائحَك لنفسك .. فلا شأن لك بصداقتنا  (لأسير1) أكمل يا صديقي .. أمُك
              كانت تناديك بيا صغيري..
أسير1 : رغم أني لستُ أصغرَ إخوتي .. إلا أنها ظلت دوما تناديني يا صغيري .. حتى التحقتُ
           بمعسكر الفدائيين.
( تظهر الأمُ في بؤرة مضيئة- ينهض أسير1 يفك اصفاده ويتجه إلى حيث الأم ليدور هذا الحوار فلاش باك)
الأم      : كبرتَ يا صغيري .. أصبحتَ رجلاً يافعا .. جديرٌ بك أن تَلحقَ بأبيك وأخويك.
جندى2 : تلحقُ بهم أين؟!
الأم      : لقد دفعوا حياتَهم ثمنا للذودِ عن الوطن .. راحوا شهداء .. ولن أبخلَ بك أنت أيضا
             من أجلِ أن يحيا هذا الوطن.
أسير1 : أخشى أن أتركَكِ وحيدةٌ يا أمي.
الأم     : معي شقيقُك الأصغر ..
أسير1  : لازال صغيرا ..
الأم      : كنتَ صغيرا مثله .. حين تركنا أبوكَ وذهب ليحارب.
أسير1  : وما آخرُ تلك الحرب التي تأكلنا واحدا تلو الآخر؟!
الأم      : أن يرحلَ الغاصبون عن ترابِنا ..
أسير1  : وإن لم يرحلوا!!
الأم      : (في إصرار) سنرويه بآخر قطرة من دمائنا.
أسير1 :  سنواتٌ طويلة وهم لا يرحلون.
الأم     : وهل نستسلم؟!
أسير1 : لا يا أمي .. لن نستسلم.
الأم    : اذهب يا ولدي .. قاتل من أجلي .. من أجل أخيك .. قاتل من أجل الضعفاء المقهورين
         اذهب مصحوبا بدعواتي ..اذهب مصحوبا ببركاتِ السماء .. اذهب يا ولدي ولا تأتيني
         إلا منتصرا .. أو جسدا محمولا فوق الأعناق .. ترفرفُ فوقه روحُك المحلقة مع من
          سبقوك من الشهداء.
أسير1 : الوداعُ يا أمي ..
الأم    : الوداعُ يا صغيري ..
(يتأملها لحظة ثم يتركها وينصرف – تشيعه بنظراتٍ جامدة حتى يختفى ثم تجهش بالبكاء )
الأم : آه يا صغيري الحبيب  .. أدفعُك دفعا للموتِ وكأنني أزفك إلى عروسِك .. أصبغُ وجهي
       بابتسامة زائفة، وأنثرُ حولي فرحة كاذبة، وأنا قلبي يقطرُ حزنا وألما .. أدفعك دفعا
       لحتفِك وأنا أحوجُ الناسِ إلي رعايتك .. آه يا صغيري .. آه يا ولديَ الحبيب..  
(تختفي الأم حيث يبتلعها الظلام –  يظهر القائدُ لازال يخطُ رسائله)
القائد : آه يا زوجتى الحبيبة .. كم أشتاقُ إليكِ .. تمرُ عليَّ أيامٌ وليالٍ طويلة أقضيها بين
        طلقاتِ الرَصاصِ ولهيبِ القذائف.
(يظهر طيفُ امرأة يمثل تخيلا لظلِ زوجة القائد خلف شاشة سلويت يتأمله القائد وهو يسترسل في خط رسالته)
القائد : صورتُكِ لا تفارقُ مُخيلتي وأكادُ أرسمُ صورة خيالية لطفلنا الحبيب .. أمزِجُ فيها بين
        ملامِحكِ المنحوتة في ذاكرتي وبين ملامحي التي كدتُ أنساها .. أرجوكِ يا حبيبتي ..
        أرسلي لي صورتَه في أقرب فرصة .. ربما تؤنسني فى وَحدتي .. لن أغفلَ فى نهاية
        رسالتي أن أذكّرَك مرة أخرى .. بموعد الطبيب ..
 (إظلام على القائد  والسلويت – يضاء المسرح على زنزانة الأسرى )
جندى2 : وأنت يا صديقي الأسير .. ما اسمُك؟!
أسير2 : (حالما) كانت دوما تدعوني .. يا حبيبي.
جندي2 : أمُك أنت أيضا.
أسير2 : لا .. بل حبيبتي ..
أسير1 : زوجتك؟!
أسير2 : كنا على وشك الزواج .. لكن كما هي العادةُ دائما .. كانت هناك أولويات.
(تظهر الفتاة حزينة في بؤرة مضيئة – يتوجه إليها أسير2 بعد أن يتخلص من قيوده)
الفتاة   : وأنا ؟! .. ألستُ من أولوياتِك؟!
أسير2 : بل أنتِ كلُ حياتي .
الفتاة  : والدليلُ أنكَ تريدُ أن تهجرَني وتتطوعُ في صفوفِ المحاربين ..
أسير2 : أنا ذاهبٌ من أجلك يا حبيبتي.
الفتاة   : من أجلي ؟! .. تتركني وحيدة يأكلُني القلقُ والخوفُ عليك .. وتقولُ من أجلي؟!
أسير2 : نعم من أجلك ومن أجل أبنائنا في المستقبل ..
الفتاة   : أبنائنا؟!
أسير2 : لا أريدُهم ان ينشأوا في وطنٍ مستباحٍ .. تحيطُ به الذئابُ من كل جانب.
الفتاة   : ستتركني وحيدة.
أسير2 : سأتركُ روحي أسيرة حبك حتى أعود.
الفتاة   : (تبكي) أخشى ألا تعود؟!
أسير2 : إن كان مقدرا لى ألا أعود .. فربما نلتقي فى عالمٍ آخر .. أرحبَ وأكثرَ أمنا وسلاما .
الفتاة   : لم لا نتزوجُ الآن؟!
أسير2 : الآن؟! .. ليس هناك وقت .. لابد أن ألحقَ برفاقى من المتطوعين.
الفتاة   : (مندفعة) امنحني يوما .. (ثم مستدركة) أو نصفَ يوم.
أسير2 : اغفري لي يا حبيبتي .. فلا أملكُ رفاهية الوقت .. الوداع.    ( يتهيأ للرحيل )
الفتاة   : (تبكي) إذن .. فلتترك لي تذكارا .. شيئا من أثرك.
أسير2 : سأتركُ لك قلبي معلقا بقلبِك .. وروحي لن تغفلَ عن روحِك لحظة.
الفتاة   : سأصُلي من أجلك .. وسأنتظركَ حتى ترجعَ .. وإن طال الغياب.
أسير2 : سأكتبُ لكِ كلما سنحت لي فرصة.
الفتاة  : وأنا سأنتظرُ رسائلَك على أحّرِ من الجمر .. سأنتظرُ رسائلَك لتؤنسني في ليالي
         الوحدة الطويلة.
(تختفي الفتاة ويظهر القائدُ كما هو على حاله – يظهر طيفُ زوجته خلف السلويت يحادثها)
القائد : ائتنسُ إلى تلك الليالي الهادئة التي تمرُ بغيرِ قتال .. ربما تبدو للبعض طويلةً رتيبة
        لكنها تمرُ عليَّ بسرعة البرق .. لا أُخفي عليكِ يا زوجتي الحبيبة .. لقد بتُ أخشى
       سطوعَ الشمس .. فالليلُ فى ساحةِ الحربِ أكثرُ أمانا من ضوءِ النهارِ الفاضح .. وقد
       أُدركُ الشروقَ ، لكني لا أملكُ ان يدركَني غروبُ الشمس .. هذا ما آلَ إليه حالُنا ..
       نلتمسُ التسترَ بالليل .. ونخشى من ضوءِ النهار .. تماما مثل خفافيش الظلام.
      أما أنتِ يا حبيبتي فانعمي بضوءِ الشمس .. ونسيمِ النهارِ الدافيء .. فهو بلا شكٍ مفيدٌ
      لصحتك .. ولا تَحرمي طفلنا من أشعةِ الشمسِ الوليدةِ كلَّ صباح .. واهنئا بالراحة فى
      لياليكم الطويلة .. ولا تغفلي دواءَكِ .. ولا تُهملي .. زياراتِ الطبيب.
( إظلام على القائد – إضاءة على زنزانة الأسرى)
جندي2 : أيها الحمقى .. (لأسير2) أنت ..  تتركُ حبيبتك المفتونة بك إلى حدِ الجنون ..
            وتلقي بنفسك في خضم حربٍ لا تعلمُ متى تنتهي .. إن كان مقدرا لها نهاية؟! ..
             تهربُ من أحضانِ فتاتك ودفءِ فراشِها، وتلوذُ بأحضانِ القذائفِ وسعير لهيبها!!
           (ثم لأسير1) وأنت .. تتركُ أمَك المُسنة المريضة .. وأخيكَ الصغير، وتذهب ُطواعية
           إلى حتفك؟! .. ألم تتعظ ممن سبقوك من القتلى؟!
           ( يبدو الضيق على أسير1 فيتدارك جندي2 قائلا)
جندي2 : عفوا .. الشهداء ..  أهناك مثالٌ للحماقة أبلغ من فعلتكما؟!
أسير1  : أنت .. ألم تهرُب من صاحبِ الحانة في سبيل حربٍ لا تعرفُ جدواها؟!
جندي2 : وهل تعرفُ أنت لها جدوى؟!
أسير1  :  نحنُ نحررُ أوطاننا.
جندي1 : (مندفعا بآلية) ونحن نحررُ البشرية ..
أسير2  : وهل نصبتم أنفسَكم أوصياءَ على البشرية؟!
جندي1 : هكذا قال لنا سيدي القائد.
أسير1 : أنتم قتلة .. مجرد آلة عمياء للخراب والدمار.
جندي2 : (ملاطفا) صديقي الأسير .. أرجوك لا تخلط الأمور .. ولا تنس أننا نثرثرُ ثرثرة
           الأصدقاء.
أسير1 : ها .. أصدقاءَ الليل .. وأعداءَ النهار؟!
جندي2 : هل تصدقني لو أخبرتُك أننى لم يكنْ لي طوال حياتي القصيرة أيُ عداواتٍ مع أحد؟!
أسير2 : حتى مع صاحبِ الحانة؟!
جندي2 : (مؤكدا) حتى مع سيدي صاحبِ الحانة.
أسير1  :  لازلت تنعته بسيدِك؟!
جندي2 : هل نعتُه بسيدي؟!
أسير1  : نعم .. لقد ذكرته للتو قائلا .. سيدي صاحب الحانة.
جندي2 : في الحقيقة .. لم أكن أكرهه .. بل كنتُ دائما أشفقُ عليه .. فقد كان أسيرا لغضبه
            الأعمى وعشقه للمال .. (ثم هامسا وهويتلفت بحذر) وخوفه من زوجته المفترسة.  
            (ثم بزهو) وهو أيضا .. كان يضعُني في منزلةٍ عظيمة لديه.
أسير2  : منزلة ولده؟!
جندي2 : لا .. بل أكثر من ذلك .. فقد كان دوما يخبرُني أنني بالنسبة إليه مثل .. الـ ..
( يظهر صاحبُ الحانة جالسا فى استرخاء يكمل عبارة  جندي2)
صاحب الحانة : البالوعة .. أتعرفُ يا أحمق .. بالوعة الصرف الصحي؟!
جندي2        : المجاري يا سيدي؟!
صاحب الحانة : لا تغضب .. فلولا تلك البالوعة لفسدت الحياة .. أن أصفَك بالبالوعة
                  فأنت أهمُ عندي من زوجتي اللعينة التي تغطُ بالداخل في نومٍ عميق ..
                  (هامسا بخوف ) أرجو ألا تستيقظَ منه ..
جندي2        : (مكملا بتلقائية) أبدا ..
صاحب الحانة : لا .. يا أحمق .. أرجو ألا تستيقظ منه قبل أن أفرغَ همومي فى البالوعة
                  أقصدُ في رأسِك..
جندي2        : لكن ما علاقة رأسي بالبالوعة يا سيدي؟!
صاحب الحانة : البالوعة أفرغُ فيها ما ينغصُ عليَّ حياتي من أوجاعٍ وهمومٍ ثقيلة .
جندي2        : ثقيلة أم كريهة يا سيدي؟!
صاحب الحانة : حينما أتكلمُ لا تقاطعْني ..
جندي2        : أمرُك يا سيدي..
صاحب الحانة : وحتى أفرَغَ من قضاءِ حاجتي .. أقصد من البوح بهمومي .. لا تتفوه بكلمة.
 جندي2       : أمرُك يا سيدي .. لكن لي رجاء .. بعد أن تفرغَ .. من فضلك ..  لا تنسْ أن
                   تسحبَ السيفون .. ليمحوَ ما علقَ في الذاكرةِ من آثار همومك الكريهة ..
                  أقصد الثقيلة.
صاحب الحانة : كفاك ثرثرة .. أنا من يقضي حاجته .. لا أنت .
جندي1        : (ساخرا) هذه كانت وظيفتَك القديمة إذن !! .. مجرد مرحاض!!
جندي2        : مجازا .. نعم .. بالوعة لهموم وأسرار سيدي صاحبِ الحانة.
(نسمعُ صوت سيفون يسحب وصوت الماء يتدفق بشدة)
جندي2        : ها هو سيدي قد فرغَ من قضاءِ همومِه؟!
أسير1         : وهذا ما جعلك تهربُ من الحانة؟!
جندي2        : لا .. بل حدث أمرٌ آخر جعلني ألوذَ بالفرارِ من براثنِ سيدي المجنونِ وزوجته
                   اللعينة .. فقد فوجئتُ بها ذات صباحٍ تخرجُ علينا مثل ثورٍ هائج .. تصرخُ
                   وتصيحُ في جنون ..
(تظهر الزوجة فى غضب شديد تمسكُ مطرقة ضخمة تطارد جندي2)
الزوجة         : لابد أن أحطمَ رأسَ هذا الشقي .. لن أتركَه يُفلتُ بفعلته.
صاحب الحانة : إهدأي يا زوجتي الحبيبة ..
الزوجة        : لن أهدأ حتى أقتلَ هذا اللعين.
جندي2        : لماذا يا سيدتي؟! .. أنا لم اقترفْ ذنبا!
الزوجة        : أنتَ لص .. تسرقُ من إيرادِ الحانة.
جندي2        : أنا ؟! .. لم يحدثْ يا سيدتي ..
الزوجة        : بل حدث .. وأنا رأيتُك بعيني هاتين.
صاحب الحانة : رأيته بعينيك ؟! .. هذا ما كنتُ أخشاه .. هذا ما كنتُ أخافُ حدوثَه منذ زمن.
جندي2        : سيدي .. أنا بريء .. لا تصدقها .
صاحب الحانة : وهل أصدقك أنت؟!
جندي2         : أقسمُ لك يا سيدي .. أنا عاملُك الأمين .. الأحمق.
صاحب الحانة : لقد رأتك بعينيها .. رأتك وأنت تسرقُ من مالي أيها اللص .. أليس كذلك يا
                   زوجتي الحبيبة ؟!
الزوجة        : نعم رأيته.
صاحب الحانة : إذن سأقتله أنا بنفسي ..                    (يهجم عليه)
جندي2         : (يحاول الفرار) يا سيدتي .. أرجوكي .. تذكري جيدا.
الزوجة         : أنا لا أنسى مطلقا ما أراهُ في أحلامي .
الاثنان         : أحلامِك؟!
الزوجة        : نعم .. لقد رأيتُه يسرقُ في حُلمٍ ليلة أمس.
جندي2        : أرأيتَ يا سيدي؟! .. كانت تحلُم!
صاحب الحانة : (في ضجر) كنتُ على وشك أن أرتكبَ جريمةَ قتلٍ للتو .. من أجل حُلمٍ رأيته
                   في منامك؟!
الزوجة        : نعم .. رأيتُه بعيني يسرقُ في الحلم.
صاحب الحانة : لكنه مجرد حُلم؟!
الزوجة        : من تُسولُ له نفسُه أن يسرقَ في حُلم لن يمنَعه شيءٌ أن يسرقَ فى الواقع.
صاحب الحانة : وجهة نظر .
جندي2        :  يا سيدي لا تكن أحمقا مثلها .. أنا خادمُك الأمين .. أنا البالوعة.
الزوجة        : أرأيت؟! .. ها هو يعترف ..
جندي2       : أعترفُ بماذا؟!
الزوجة        : أنك بالوعة .. تبتلع ما تراه من إيراد الحانة دون علمنا.
صاحب الحانة : أحقا هذا الكلام أيها الملعون؟!
جندي2        : سيدي .. أنا أقصدُ البالوعة .. بالوعة الهموم .. هل نسيت؟! .. البالوعة
                  يا سيدي .. السيفون ..
صاحب الحانة : (متهربا) لا أذكرُ شيئا.
الزوجة        : (تحاول الهجوم عليه) أيها اللص معدومَ الضمير .. سأقطعك بأسناني.
جندي2        : (يلوذ بالفرار) لا .. أرجوكي .. إلا أسنانك .. فأنا أسمعُ لها صكيكا طوالَ الليلِ
                   كأنك تقومين بشحذها كسكين.
الزوجة       : سأمزقك إربا .. ثم أهشمُ عظامَك بتلك المطرقة.
جندي2        : أدركني يا سيدي .. هل تتركني أهلك من أجل حُلم؟!
صاحب الحانة : (شاردا)  لقد رأيتُ ذلك فى حُلمٍ قديم .. ولم أُلقْ له بالا حينها .. لكن يبدو أن
                   الحُلمَ في سبيله للتحقق.
الزوجة        : (فى شراسة وجنون) سيتحقق .. أحلامي دوما تتحقق.
صاحب الحانة : نفسُ الحلم.
جندي2        : أيُ حُلمٍ يا سيدي؟!
صاحب الحانة : رأيتُها تتحولُ ..
جندي2        : (برعب) تتحول؟! .. إلى وحشٍ أسطوري؟!
صاحب الحانة : بل إلي آكلة لحوم البشر ..  وهاهو الحلمُ يتحقق .
جندي2        : وهل ستتركها تفترسُني؟!
صاحب الحانة : خيرٌ من أن تفترسَني أنا .. فهذا ما رأيته في الحُلم..
(صاحب الحانة يدفع الجندي لتنهال عليه الزوجة ضربا وهو يصرخ رعبا)
جندي2        : أنقذوني .. أدركوني .. آآآآآآه ..
(إظلام ويظهر القائد – يحملقُ فى ظل زوجته – تتسللُ أنغامُ معزوفة رومانسية شهيرة)
القائد  : آه يا زوجتي الحبيبة .. لم يكن حُلما .. بل رأيتُ طيفَك يزورُني حقا .. فأنا لم يغمضْ
            لي جَفنٌ منذ ليلتين .. أكادُ أشعرُ بأنفاسِك تلفحُ رَوحي .. واتنسمُ عطرَك المفضلَ
            منثورا في الأجواء .. ويتسللُ إلى سمعي صوتُ معزوفتك الأثيرة
(يرتفع صوتُ الموسيقى تدريجيا يتمايل ظلُ الزوجة خلف السلويت فى رقة ونعومة كفراشة)
القائد  : أكادُ ألمسُ كلَ شيء كأنه حقيقة .. تلك هي أحلامُ اليقظة؟! .. أم هلاوسُ الحرب؟!  
(إظلام على القائد –  إضاءة على زنزانة الأسرى)
جندي2 : هلاوسُ تلك المرأةِ المجنونةِ ألقت بي إلى هذا الجحيم.
أسير2  : لم تكن مضطرا لذلك.
جندي2 : كنتُ أحسبُ أن جحيمَ الحربِ خيرٌ لي من جنةِ صاحبِ الحانةِ وزوجتِه المعتوهة.
جندي1 : مغفل.
جندي2 : (مؤكدا) بل أحمق .. هربتُ من حُلم امرأة مجنونة ، لأسقطَ في كابوسِ حربٍ لعينة
            لا أملكُ أن أستيقظَ منه .. (حالما بأسى) آه .. كم أتمنى أن يزورَني الصباحُ ذاتَ يومٍ
             فاستيقظُ َلأجدَ نفسي نائما على فراشي البائس الحقير في الحانة .. يطربني صوتُ
             شخيرِ سيدي المزعج .. ويبهجُني صراخُ زوجته الصاخبُ المجنون .. ياله من حُلمٍ
             جميل.
أسير1  : لازالت لديك القدرةُ على الأحلام؟!
جندي2 : لولا الأحلامُ يا صديقي لهلكتُ هنا في عالمِ الكوابيسِ المفزعة .. ولظلت تطاردني
           أشباحُ الموتى فى كل مكان .. ولن تخلوَ رأسي أبدا من أصوات المدافع والدانات
           وأزيز الطائرات .. وعواء الموتِ الذي لا ينقطعُ ليلَ نهار.
أسير1 : وهذا ما يدهشني ! .. كيف تستطيعُ الحُلمَ وسطَ هذه الأجواء؟!
جندي2 : لا أدري حقا .. ربما أحلمُ أنني أحلم .. فلا اكادُ أميزُ بين الواقع والأحلام .. أحيانا
            تتملكني أحلامُ اليقظة .. فاستسلمُ لها طواعية .. ربما تغسلُ روحي مما علق بها
            من الأوجاع.
جندي1 : (صارخا) أحلامُ اليقظة؟! .. هذا اعترافٌ خطير .. قد يعرضك لمحاكمة عسكرية.
جندي2 : محاكمة؟! .. وهل أصبح الحُلمُ جريمة؟!
جندي1 : جريمة .. حينما يراودك أثناء الخدمة الميدانية.
جندي2 : وما أدراك؟!
جندي1 : لقد اعترفت توا بلسانك .. أنك تستسلمُ طواعية لأحلامِ اليقظة .. وهذا سيغضبُ
           سيدي القائد بشدة .. فكم أكد علينا أن ننتبه ونظل يقظين منتبهين .. لا أن ننشغل
           بالأحلام.
جندي2 : (غاضبا) وأنت .. ألا تحُلم ؟! .. ألم يسبق لك ووقعت فى هذه الخطيئة،  وحلمت
            ولو مرة بالعودة إلى الديار؟!
جندي1 : (في جمود) لقد فقدتُ الرغبة فى الأحلام.
جندي2 : إذن فأنت رجلٌ ميت .. شبحٌ بائس .. فلا يفقدُ الرغبةَ في الأحلامِ سوى الأموات.
جندي1 : (غاضبا) احذر أيها الجندي.
جندي2 : احذر أنت .. فلم يبق لنا من حياتنا سوى ما نخبئه من ثمالة الأحلام.
أسير2  : صدقت أيها الجندي .. فلا نجاة لنا من واقعنا المرير إلا باستجداء السعادة في
           أحلامنا المستحيلة.
جندي2 : أرأيت ؟! .. هاهو صديقنا الأسيرُ لازال يعاقرُ أحلامه المستترة .. (ثم مداعبا أسير2)
            تحلم بفتاتك ؟! .. أليس كذلك؟! .. تحلُمُ بها؟ .. أخبرنا بالحقيقة .. فلن نشيَ بك بأي
            حالٍ من الأحوال .
أسير2 : طيفُها لا يفارقني في صحوي أو نومي .. فقد كنا نتقاسمُ الحُلمَ سويا .. كانت دائمة
          التفاؤل والحديث عن المستقبل .. وأنا كنتُ أعيشُ أحلامَها .. لم تكن تشكُ لحظة أننا
          سنتزوجُ .. وننجبُ أطفالا .. نربيهم أمامَ أعيننا .. حتى نراهم رجالا سعداء .. ونرى
          أبناءَهم أيضا .. كانت تعتقدُ أننا سنعمرُ حتى المائة .
جندي2 : مائة عام؟!
(تظهر الفتاة في بؤرة مضيئة تتدلى من أرجوحة تهتزُ بها في نعومة وهي تضحكُ في مرح – يدركها أسير2 ليشتركا في حوار حالم)
الفتاة   : ولم لا؟! .. الحياةُ توهبُ لمن يعشقُها .. ألا تحبُ الحياة؟!
أسير2 : أحبُها .. لكن ليس أكثر من حبي لك.
الفتاة   : سننجبُ عشرة أبناء.
أسير2 : عشرة؟!
الفتاة   : خمسة أولاد .. وخمس بنات.
أسير2 : كما تشائين ..
الفتاة   : لا .. بل ثمان فتياتٍ .. وفتيين.
أسير2 : الأولادُ أكثرُ نفعا من الفتيات.
الفتاة   : أنا أحبُ الفتيات .. فهن زينة البيوتِ ونعيمُها.
أسير2 : كما ترغبين ..
الفتاة  : وأنت؟! .. ألا تحلمُ بشيء؟!
أسير2 : أنا لا أحلمُ إلا بك .. ولك.
الفتاة   : تحلُمُ بي؟!
أسير2 : ليس لأحلامي طعمٌ دون وجودك.
الفتاة   : إذن فلنلعبُ لعبتنا الأثيرة ..
أسير2 : هيا نتقاسمُ الحُلمَ .. ابدأي أنت.
الفتاة  : أحلمُ  .. (لحظة تفكير ثم حالمة) ببيتٍ صغير ..
أسير2 : تحوطُه حديقةٌ..
الفتاة   : حديقة غناء ..
أسير2 : تطلُ على بحيرة ..
الفتاة   : بحيرةٍ زرقاء ..
أسير2 : يصلُ ماؤها بين الأرض والسماء ..
الفتاة   : يلعبُ حولها عشرةٌ من الأبناء ..
(يغرقان فى ضحك صاخب حتى يبتلعهما الظلام – بؤرة مضيئة على القائد)
القائد : باتت الأحلامُ هى الملاذُ الوحيد .. تُرى يا زوجتي الحبيبة .. ألازلتِ تحلُمين بي؟!
        أم أنك شُغلتِ بطفلنا الحبيب؟! .. أم هي الوحدة الموحشة ، وطولُ غيابي من جعلك
        تزهدين في فُتاتِ الأحلام ؟! .. أم أنه المرضُ اللعين؟! .. آه .. كدت أنسى أن أذكّركِ
        مرة أخرى .. بموعدِ الطبيب ..
(إظلام على القائد – يضاء المسرح على زنزانة الأسرى)
جندي2  : (لأسير1) وأنتَ يا صديقي الأسير .. حدثنا عن أحلامك.
أسير1  : ليس لدي أحلام .. بل هي كوابيسٌ مفزعة .
أسير2  : كوابيس؟! .. إذن لا تقصَّها علينا .. احتفظ بها لنفسك.
جندي2 : ما الكوابيسُ إلا نوعٌ من الأحلامِ المفزعة .. تتسللُ مثل شياطين الظلام لتفسدَ علينا
            لذة الأحلام.
أسير1  : (مسترسلا) صاحبتني تلك الكوابيسُ منذ الطفولة .. كانت توقظنى من نومي فزعا ..
            فألقي بنفسي فى حضن أمي ، التى كانت تحاولُ تسليتي دوما بحكايات الحرب
           المخيفة .. وقصص الموتي والراحلين .. كانت تظنُ أنها بذلك تصنعُ مني رجلا قويا
           ومحاربا شجاعا .. لا يهابُ الموت.
جندي1 : لم تكن تتخيل أنك نهايتك ستكونُ مجردَ أسيرٍ بائسٍ تتنظرُ مصيرَك المحتوم.
أسير1  : كانت تتمنى أن ألقى حتفيَ فى ساحة المعركة .. مثل كل الفرسان الشجعان.
( يتخيلُ الأمَ التى تظهر في بؤرة مضيئة حاملة كفنا على كفيها وهى تبتسم فى سعادة ممزوجة بالحزن )
أسير1  : كانت تتوقعُ أن يُزفَ إليها جسدي مخضبا بدمائي .. مثلما ساقوا إليها أبي من قبلُ 
           ومن بعده شقيقاي ..
(يتخيلُ الفتاة التى تظهر في بؤرة أخرى ترتدي فستان زفاف وتحمل باقة من الزهور - تبتسمُ في سعادة)
أسير2 : كانت توقنُ أننى سأعودُ إليها يوما .. ونكملُ حُلَمنا بالزواج .. وننجبُ العشرة أبناء.
أسير1 : كم نذَرت أن تلقى جثماني بالزغاريد ..
( الأم تزغرد )
أسير2 : حاكت فستانَ الزفافِ بنفسها ..
(تنساب موسيقى زفاف واهنة)
أسير1 : أقسمت لتزفني إلى قبري كما يزفُ العرسان.
أسير2 : ادخرت كل ألوان السعادة ..  لنتقاسمها ليلة زفافنا ..
(يدنو أسير2 من الفتاة التي تستقبله بسعادة – تتأبط ذراعه ويسيران في موكب من أسير1 والجنديين بينما تطلقُ الأمُ الزغاريد وتتسرب موسيقى عُرس ناعمة حالمة – يسير العروسان فيما يشبه الزفة حتى يختفيان وتخفت الإضاءة ليسود الظلام – بينما لازالت موسيقي الزفاف تتسرب واهنة – تظهر بؤرة مضيئة علي القائد يخط رسائله)
القائد  : لازلتُ أذكرُ ليلة زفافِنا .. تفاصيلُها لا تفارقُ مخيلتي .. ربما لم أحظ بهذا القدر من
          السعادة في حياتي كما حظيتُ في تلك الليلة .. كانت في مَطلعِ الربيع .. وكأن الدنيا
          تقاسمُنا فرحتنا .. وتنثر بهجتها من حولنا .. لازلتُ أجترُ تفاصيلَها لحظة بلحظة ..
          ربما تخففُ عني وطأ ما يملؤني من وحشة .. وما يعصفُ بي من قلقٍ عليك .. وعلى
          طفلِنا الوليد .. حدثيني عنه في رسالتك القادمة .. ولا تهملي دواءَك .. ولا تغفلي ..
          زياراتِ الطبيب.
(إظلام على القائد – تضاء زنزانة الأسرى – الرجالُ الأربعة في وجوم)
أسير1  : (ثائرا بألم) الحرب ! .. الحرب ! .. كم أمقتُ تلك الكلمة.
جندي2 : وأنا أيضا ..
جندي1  : (محذرا) انتبه لكلماتك أيها الجندي ..
جندي2  : (حانقا) انتبه أنت ، وكف عن إلقاء الأوامر .. فلستَ القائدَ هاهنا.
جندي1  : إنما أردتُ نُصحك .
جندي2  : (في حدة) وفر نصائحَك لنفسك ..
جندي1  : (بضجر) أنت حر.
جندي2  : نعم .. أنا حر ..  (ثم يتجه بالحديث للاسيرين في حميمية)  لذلك سأبوحُ لكما يا
             صديقاي الأسيران .. بسرٍ لم أحدث به أحدا من قبل ..   (كمن يدلي بسرٍ خطير)
            لقد كانت لي أنا أيضا .. فتاة أحلام.
جندي1  : (متهكما) في الأحلام .. ها .. ها ..
جندي2  : (في ضيق) لا .. بل في الحانة ..
أسير2   : (متسائلا) حقا؟!
جندي2 : (مؤكدا) حقا ..
أسير1  : زبونة ؟!
جندي2 : لا ..  راقصةٌ .. غجرية.
(يبدي الأسيران انبهارهما وإعجابهما بينما تظهر الراقصة وسط صفير واستحسان الأسيرين - تؤدى رقصة فلامنكو بحركات رشيقة محترفة بينما يسترسل جندي2 في سرد أحلامه في شاعرية حالمة)
 جندي2  : لم تكن بشرا ..
             بل طيفَ ملاك ..
             ترقصُ كفراشة ..
             تتمايلُ مثل الأغصان المرنةِ في وجهِ الريح ..
             تدقُ الأرض بقدمين من المرمر ..
             ولها صوتٌ عذبٌ .. مثلَ نسيمِ الليل ..
أسير2   : (فى استحسان) هذا شعرُ العشاق .. لا قول الحمقى.
جندي2  : كنت أراقبها عن بعد ..  لكن لم أجرؤ يوما أن أخبرها بحقيقة ما يجيشُ به قلبي ..
أسير1   : خطأ فادح ..
 (الراقصة تؤدي رقصتها ببراعة واندماج )
جندي2  : ذات ليلة ..
           رأيتُها ترقصُ كما لم ترقصْ من قبل ..
           لم تتوقف لحظة ..
           كانت روحا تتمايلُ حرة ..
           لا جسدا يتآكلُ من نظراتِ المخمورين ..
           ظلت ترقصُ حتى انزاحَ ستارُ الليل ..
           وتسلل ضوءُ الشمسِ يغازلُ بشرتَها الخمرية ..
           من زار الحانة ليلتها ..
           لم يجرؤ أن يتركَها حتى يكتملَ الطقس ..
(الراقصة ترقص ببراعة والجميع مبهورٌ بها حتى جندي1)
جندي2 : طافت ليلتها كملاكٍ تسكبُ ترياقَ الحسنِ  
             وتنثرُ من سحر أنوثتها في الأجواء ..
             رقصت حتى دميت قدماها ..
             أنهكها ما بذلت من جُهد ..
الجميع  : ها ؟!
جندي2 : (في حزن بينما تؤدى الراقصة في إنهاكٍ بما يناسبُ وصفه)
            ظلت تترنحُ مثل عصفورٍ جريح ..
           تنزفُ أنفاسها ..
          وتئنُ أنينا مكتوما لم يسمعه سواي    
          ظلت تترنحُ .. وتئن..
          وتميلُ كما السكرانِ بغيرِ شراب..
          وانتفض فؤادها ينثر دقاتٍ ملتاعة..
          دارت دورتها ببراعة ..   
(تدورُ الراقصة حول نفسها في جموح وجندي2 يقلدها في انتشاء)
          كي تنهيَ رقصتَها..
          وتتمَ الطقسَ ..
          وتسقطَ وسطَ ضجيجِ المخمورين
(تسقط الراقصة وسط تصفيق الجميع ويتكوم جسدُها دون حراك)
جندي2 : سقطَت دون حراك .. وانصرفَ زبائننا بعدما نثروا على الجسد الملقى ما جادت به
           أنفسهم من قِطع العملة .. مَكثَت برهة .. لم تتحرك .. انتفض فؤادي هلعا .. ألقيتُ
           بجسدي فوقها وأنا أنتحبُ كطفلٍ فقد أمَه .. صرختُ لأول مرة باسمها .. لم أنتبه وأنا
           أمطرها قبلا انسكبت عليها مع دمعي المنهمر .. ظننتها ماتت بعدما أتمت رقصتها
           الأخيرة .. كدتُ ألقى حتفى حزنا عليها .. صرختُ من فرط حزني .. آه يا قلبي
          الجريح ... آه يا حبي الصريع .. آه ..
( ينكبُ على جسدها باكيا فى حرقة – ثم ينتفض فجأة وسط صمت وترقُب الأسيرين وجندي1)
جندي2  : وفجأة ..
(فجأة تزيحه الراقصة في غضب ثم تصفعه صفعة هائلة وتتركه وتغادر- بينما يظل متجمدا وقد أمسك وجهه في ذهول - ثم يردد فى هدوء وهو يتحسس وجهه في سكرة)
جندي2 : لازالت أنفاسُها الغاضبة تعانقُ أنفاسي .. وملمسُ أناملها الملتهبة يداعبُ وجهي ..
            لا يكادُ يفارقه .. (تنهيدة حارة)  آه .. لو منحتني صفعة أخري على الجهة المقابلة !
            .. لاكتمل المعروفُ .. ولحفظت لها جميلَها طوالَ حياتي.
(يضحك الأسيران في صوت صاخب بينما يهتف جندي1 هازئا)           
جندي1 : أحمق .
جندي2 : لم يعدْ هذا النداءُ يُزعجُني أو يثيرُ في نفسي حَنَقاً .. بعدما شاهدتُ كَمَّ الحمقي فى  
           هذا العالمِ العجيب .. انعتني بالأحمق كيفما شئت ، فلن أكونَ أكثرَ حُمقا ممن يبذلون  
            المليارات من أجلِ حروبٍ لعينة لا تنتهي أبدا ..
جندي1 : (في ضجر) اصمت ..
جندي2 : لن أصمت .. وأنت أيضا لابد أن تتخلي عن تظاهرِكَ بالجدية ، وإيثارِك للصمت ..
            فأنت تُنصتُ لحديثِنا منذ البداية وتتظاهرُ بعدم الاكتراث.. وأنا أدركُ تماما أنك تكبحُ
            جماحَ لسانِك رغما عنك .. فلا يوجدُ عاقلٌ أو أحمقٌ في مثل ظروفِنا لا يُسّري عن
            نفسه بالثرثرةِ من أجلِ قتلِ الوقت .
جندي1 : كفَّ عن هذا الهَذَيان.
جندي2 : سأكف .. لكن حينما تنفكُ عقدةُ لسانِك وتشرعُ في الثرثرة.
جندي1 : (متهربا) أنا لا أجيدُ الثرثرة.
جندي2 : (يحاصره) عيناكَ تفضحُك .. لديك الكثيرُ لتبوحَ به .. لكنك تخشى أن ينفلتَ زمامُ
             لسانك ، فتسقط في هاوية البوح.
أسير2  : هيا أيها الجندي .. حدثنا عن ماضيك.
جندي1 : (مشيحا بوجهه) ليس لدّيَ ما أحكيه.
جندي2 : (يحاصره في إلحاح) ألم يكن لك أهلٌ .. بيت .. زوجة ..
جندي1 : كفى ..
جندي2 : عشيقة ؟!
جندي1 : (ثائرا) قلتُ لك كفى.
جندي2 : (بظفر) كانت لك عشيقة.
جندي1 : ثرثارٌ غبي ..
جندي2 : كنت تحبُها إلى حدِ الجنون.
جندي1 : لا شيء يجبرني أن أتمادى فى هذه اللُعبةِ السخيفة.
جندي2 : تركتها وأتيت للحرب رغما عنك.
جندي1 : (يزمُ شفتيه صامتا في غضب) ......................
جندي2 : كنتَ تغيبُ عنها فتراتٍ طويلة ..
جندي1 : قلتُ كفى ..
جندي2 : كان طيفُها يؤرقُ مضجعَك ..
جندي1 : كفى .. كفى ..
جندي2 : بل صار يطاردُك في صَحْوِك ..
جندي1 : (صارخا) كفى ..
جندي2 : لم تكنْ تحتمل فراقَها .. وحينما عُدتَ .. وجدتَها في أحضانِ رجلِ آخر.
جندي1 : (منفجرا كبركان) سأقتُلك ..   
جندي2 : ( متماديا ) عندما يئِسَتْ من عودتِك .. ظنت أنك لقيتَ حتفَك هاهنا .. فاستسلمت
             لرغباتِها الدفينة ووقعت أسيرة عشقٍ جديد .. مثلها مثلَ كلِ نساءِ العالمِ .. 
            (ثم هامسا بخطورة) الخائنات.
جندي1 : (صارخا في غضب وهو يهجمُ على جندي2) سأفتكُ بك .. سأقتلك أيها اللعين.
جندي2 : (يفلت منه) ها ها ها .. كان الأجدرُ بك أن تقتلَها هي .. فما أنا إلا رجلٌ أحمق.
(يتجمد جندي1 مذهولا وهو يرددُ بخيبة وإنهاك)
جندي1 : من أخبرك؟! .. كيف عرفتَ أنني لم أستطعْ قتلها؟!
(تمرُ لحظات صمت ثقيلة يتأملُ الجميعُ وجوه بعضٍ في ترقب ثم يقطع جندي2 الصمت ضاحكا في صوت صاخب وهو يردد )
جندي2 : (ضاحكا) أهذا حقا ما حدث؟!
(يعاود جندي1 الهجوم على جندي في هياج 2 بينما يظلُ جندي2 محتفظا بهدوئه)
جندي1 : كيف عرَفت؟!
جندي2 : (فى بساطة) لا أدري .. لقد كانت محضَ تكهنات ..
           (ثم مستدركا) تكهناتِ رجلٍ أحمق  .. لا تَنسَّ.
أسير1 : عجزتَ عن قتلِها ، رغمَ أنكَ قاتلٌ محترف .. تجيدُ سفكَ الدماء!
أسير2 : ربما لأنها لم تكنْ بريئة .. فهو لا يجيدُ سوى قتلِ الأبرياء.
جندي1 : (يهددهما بسلاحه) اصمتا أيها اللعينان .. وإلا أخرستُكما للأبد.
جندي2 : دعك منهما .. فلن تستطيعَ قتلهما دون أمرٍ مباشرٍ من سيدي القائد ..
            وأخبرني أنا .. لماذا عجزت عن قتلها؟!
(يجن جنون جندي1 ويصرخ في وجه جندي2)
جندي1 : اصمت أنت أيضا .. وإلا لن يكونَ مصيرُك خيرا منهما.
جندي2 : (محتدا) تهددُني كما تهددُ الأسرى؟!
جندي1  : بل بك سأبدأ ..
(يهجم جندي1 على جندي2 في شراسة تدور بينهما معركة سريعة تنتهي بتغلب جندي2 الذي يصرخُ في ظفر)
جندي2  : يمكنني الآن أن أقتلك .. ثم أقتلَ هذين الأسيرين .. عفوا يا صديقاي .. ثم بعد ذلك
             ألوذُ بالفرار .
 جندي1 : (مهزوما يصرخُ في يأس) لا أحد يستطيعُ الفرارَ من الحرب.
جندي 2 : لقد أتيتُ هنا بإرادتي .. كذلك سأمضي بإرادتي.
أسير1  :  (متهكما) إرادتُك ؟!
أسير2  : مسكينٌ .. لا يدركُ حجمَ مأساته.
 جندي2  : أيُ مأساة؟!
(تتصاعد أصواتُ قرع الطبول في صخب – تخفت رويدا رويدا ويأتي صوتُ الأسيرين في رتابة يرددان في إقرار)
الأسيران  : كلُ مَن في الحربِ أسرى .. كلنا ينتظرنا نفسُ المصير.
( ثم يتصاعد قرعُ الطبول وتخفت الإضاءة تدريجيا عليهم – يظهر القائد)
القائد  : لا أعلمُ مصيرَ كل هذه الخطابات التي أكتبُها إليكِ .. لكنني أوقنُ انني لازلتُ حيا أرزقَ
          حتى هذه اللحظة .. أنتظرُ منكِ ولو كلمة تمنحُني أملاً لأعودَ إليكِ أنتِ وطفلِنا الحبيب.
          لماذا لا يأتيني ردٌ يخففُ ما يملأُ نفسي من خوفٍ وقلقٍ عليكِ؟ .. لقد أخبرَني الطبيبُ
          بحقيقة مرضِك اللعين .. (في ألم وحزن ) أخبرَني أن الأملَ في شفائك .. (مترددا في
         يأس ) يشبهُ تماما أملي في العودةِ سالما .. من هذه الحرب ..
(إظلام على القائد – إضاءة على زنزانة الأسرى)
جندي2 : أيعني هذا ألا أملَ في العودة؟!
جندي1 : لا تُصغِ إليهما.
جندي2 : لا أملَ في النجاة؟!
أسير1  : انظر يا صديقي ماذا خلفت الحربُ من دمارٍ وخراب.
جندي1 : نحنُ ننفذُ الأوامر.
أسير2  : بل أنتم وقودُ الحرب ..
جندي2 : لا نجني سوى الحسرة والألم.
جندي1 : بل هو شرفُ الجندية .. هكذا علمنا سيدي القائد.
(إضاءة على القائد بينما تظل الإضاءة مستمرة في الزنزانة بحيث يتم مزج الجُمل الحوارية مع استمرار تصاعد أصوات قرع الطبول)
القائد   : (صارخا في ثورة) أيُ شرفٍ أن أتركَ زوجتي تموتُ وحيدةً وهي تحملُ في أحشائِها
           طفلي ، بينما أحيا أنا هاهنا مَيْتا وسطَ الأشلاءِ والخراب ؟!
الأسيران : كلُنا أسرى .. ينتظرُنا نفسُ المصير.
جندي2 : فررتُ من أسرِ صاحبِ الحانة .. لأقعَ في أسرِ أوامرٍ بالقتلِ والتدميرِ، لا تنتهى ليلَ
            نهار.
أسير1  : وهل لازلتَ تستطيعُ أن تفرقَ بين الليلِ والنهار؟!
جندي1 : منذ رأيتُها تتلوى في أحضان عشيقها وأنا لا أكادُ أميزُ بين ظلامِ الليلِ ووحشته
           وبين وهجِ الشمسِ الحارقة .. لم أعدْ أفرقُ بين لونِ الدماءِ ولونِ الماء .. ما عاد
           يُجديني .. فالموتُ والحياةُ لديَّ سواء .               (يقبض على سلاحه بقسوة)
القائد : (صارخا باستجداء) أيتها السماء .. أريدُ أن أطمئنَ عليها .. أن أسمعَ صرخة طفلِنا
        الوليدِ يثورُ فى وجه الحياة .. أريدُ أن أعرفَ هل لازالت حبيبتى تنعمُ بضوءِ الشمسِ،
        أم سبقتني روحُها الطاهرةُ إلى السماء؟! .. آه يا قلبيَ الحائر .. ليتني أستطيعُ الفرار.
الأسيران :  كلُنا أسرى .. ينتظرُنا نفسُ المصير.
جندي1  : أكادُ أموتُ في المعركة الواحدة ألفَ مرة .. ورغم هذا .. تظلُ روحي عالقةً بجسدي
              المعذب .. تأبى أن تفارقَ فؤاديَ الجريح ..  ليتني مِتُ قبل أن أراها بين أحضانِ
              هذا الشقي.
الأسيران  : كلُنا أسرى.
جندي2  : ليتني أستطيعُ الفرار.
الأسيران : كلنا أسرى.
(إظلامٌ تام يغمرُ الخشبة بينما تتصاعد أصواتُ طبولُ الحرب – تمرُ لحظاتٌ ثم يُضاءُ المسرح بغتة إضاءة كاملة تبدو كوهج الشمسِ تغمرُ الزنزانة ومكتب القائد ليظهرَ الجميعُ وقد نزعوا ملابسهم التى تميزهم ليظلَ الجميعُ عرايا إلا من سراويلٍ بيضاءَ تسترُ عوراتهم – يتصاعد ترديدهم الصارخُ فى رتابة ممتزجا بصوت الطبول مع موسيقى الحرب والسلام )
القائد     : كلنا أسرى..
الجنديان : كلنا أسرى..
الأسيران : كلنا أسرى..
الجميع  : كلنا أسرى ..
                              .. ينتظرُنا نفسُ المصير.

تتصاعد الموسيقى تدريجيا لتطغى على أصواتهم
ثم تخفت الإضاءة

ليسود إظلامُ الختام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق