اعمل نفسك ميت
مسـرحـــية
تأليف
السيد فهيم
شخصيات
المسرحية :
-
نادر : شاب في العشرين
-
علي نياته : الأب
-
بخاطرها : الأم
-
حبيبة عليه العوض
فتاة في العشرين
-
علي ما تفرج : الزعيم
-
المذيع
-
المذيعة
-
فايز علي نفسه
-
شريف علي مزاجه
-
سميح علي قده
-
بديع علي هواه
-
رفعت علي مهله
-
علاوله : رئيس الوزراء
-
صابر علي ما تيجي
-
سعيد علي إيه
-
ثابت علي رأيه
-
المحقق
الفصل الأول
مش
لازم تضحك ...
المهم ...
ماحدش
يضحك عليك!!
المشهد الأول
( المسرح مقسَّم إلي عدة مستويات متباينة المساحات والارتفاعات، بؤر مضيئة تتركز
علي مساحات التشخيص، حيث يتم الانتقال من مشهد لمشهد في إيقاع سريع متناغم أقرب
إلي الإيقاع السينمائي.
يبدأ العرض باستعراض راقص يشغل المستوي الأدنى، والذي يمثل المساحة الأكبر
من الخشبة، مع غناء للمجموعة في شبه احتفالية رسمية )
غناء
:
باتستا .. باتستا .. باتستـــا
دي بلدنا والعيشة ألسطــة
تاخد
حقك من غير واسطة
وحياتنا
حلوة .. ومنبسطـة
علشان
عايشين جوه باتستا
***
باتستا
.. باتستا .. باتستـا
دي
بلدنا والعيشة ألسطة
***
لا
تــلاقي فـيــهـا ولا أزمــــــة
والخير
متــوفـر بـالــرزمـــــــة
الشكوي
خلاص ملهاش لازمـة
بدل العيـش .. نـاكل باستـــــا
***
باتستا
.. باتستا .. باتستا
دي
بلدنا والعيشة ألسطة
( ينتهي الاستعراض بتجمد الراقصين في وضعهم وتخفت الإضاءة عليهم تدريجيا. يظهر
نادر في المستوي الأعلى، يرتدي ملابس بسيطة ذات ألوان محايدة، يجلس علي كرسي هزاز يتحرك
في رتابة مع صوت تكات الساعة الضخمة المعلقة في فراغ خلفه، نلاحظ أن الساعة بلا
عقارب، الإضاءة تسلط عليه تدريجيا )
نادر
: ( يغني منتشيا ) باتستا .. باتستا .. باتستا .. دي بلدنا والعيشة ألسطة ..
( بلحن شعبي مغاير ) ألسطة .. ألسطة
.. (ثم في ضيق مقلدا صوت الساعة)
تك.. تك .. تك .. تك (ثم في عصبية مخاطبا الساعة) خلاص
بأه .. كفاية ،
دماغي ورمت .. إنتي إيه؟ .. ما بتزهقيش؟!
..أُمّال لو كنتي بعقارب، كنتي
عملتي إيه؟ تك .. تك .. تك .. تك .. مفيش فايدة .. خلاص ..
براحتك .. مادام
مفيش حد قادر عليكي .. خليكي دايرة كده
عالفاضي .. علي الأقل صوتك
أرحم من اللي ما بيهمدوش تحت دول.
(
يعود للغناء ) باتستا ..
باتستا .. باتستا
( ثم بجدية مخاطبا
الجمهور )
نادر
: أيوه .. باتستا
دي بلدنا .. اسمها كده .. باتستا ... أجمل بلد في الدنيا .. طبعا
عشان
فيها أعز الناس عليا .. أبويا.
( مشيرا إلي أحد المستويات حيث يظهر الأب محدقا في شاشة تلفزيون بتركيز
شديد يصل إلي حد البلاهة )
نادر : الأستاذ علي نياته .. موظف قديم في
مصلحة الأشغال.. مع إني عمري ما
شوفته بيشتغل!! .. وأمي ..
(تظهر الأم في مستوي آخر منهمكة في تقطيع البصل وتغالب دموعها المنهمرة )
نادر : الحاجة بخاطرها .. ربة منزل.. مش عارف إيه غيتها في
تقطيع البصل؟! ..
بس أنا وعيت ع الدنيا لقيتها كده .. ليل
ونهار بتخرط بصل.
والأهم بأه من بابا وماما .. حبي الأول
والأخير .. حبيبة عليه العوض ..
عليه
العوض ده اسم باباها.
( تظهر حبيبة في مشهد رومانسي مع شاب آخر)
نادر
: وطبعا اللي قاعد
معاها ده مش أنا..
(
إظلام علي الجميع عدا نادر في مستواه الأعلي )
نادر
: هيه دي بلدنا ..
باتستا، وهما دول أهلي وحبايبي. إنما حكاية العيشة ألسطة دي
فيها كلام تاني. المهم إنهم في كل سنة،
وفـي نفس المعاد، بيغنوا نفس الأغنية.
يضاء المستوي الأول بغتة، ويشرع الراقصون في الغناء والاستعراض مجددا.
غناء
:
باتستا .. باتستا .. باتستا
دي بلدنا والعيشة ألسطة
تاخد حقك من غير واسطة
وحياتنا حلوة .. ومنبسطـة
علشان عايشين جوه باتستا
***
باتستا .. باتستا .. باتستا
دي بلدنا والعيشة ألسطة
( ينتهي الاستعراض وتظهر شاشة تليفزيون ضخمة، يظهر خلفها المذيع والمذيعة
المتأنقان بصورة مبالغة، يهتفان في أداء انفعالي مبالغ فيه كهيئتهما )
المذيع
: وهكذا أيها الإخوةُ
المواطنون .. أبناء وشعب جمهورية باتستا الإنفعالية ..
يُطل
علينا يومٌ جديدٌ، من أيام التاريخ ..
المذيعة
: يومٌ
جديد .. تشرقُ فيه شمسُ باتستا، لتزهرَ الدنيا بألوانٍ بديعة.
المذيع : وعلي كل لون يا باتستا.
المذيعة
: وهكذا نحتفي سويا بهذه المناسبةِ التاريخية ..
المذيع : حيث يُطلُ علينا الزعيمُ المفدي،
المذيعة : والرئيسُ الملهم،
المذيع : والقائدُ المغوار
المذيعة
: والأبُ الحنون.
المذيع
: سيادة الزعيم،
الاثنان : علي ما تفرج ... رئيس الجمهورية.
( تصفيق حار )
المذيعة
: حيث يُلقي علي
الأمة، خطبةَ جامعة،
المذيع : مانعة
المذيعة
: تُثلج الصدور،
المذيع : وتشفي المعلول.
( تصفيق حار وأصوات جماهير حاشدة )
نادر
: نفس المذيع .. ونفس المذيعة .. ونفس الكلام .. ونفس الخطبة.
( يظهر الزعيم علي شاشة التلفزيون، يبدو كظل فقط ولا تظهر ملامحُه جلية،
يتحدث بثقة ورزانة )
الزعيم
: أيها الإخوةُ
المواطنون .. أبناء جمهورية باتستا الانفعالية، وهو النظام
الانفعالي الجديد، الذي ارتضيته لنفسي أولا،
ولبلدنا الحبيب ولشعبها الطيب
الغلبان. فبعد أن جربنا الديموقراطية، وفشلت
فشلا ذريعا، ثم جربنا
الاشتراكية، وفشلت فشلا شنيعا.. والرأسمالية..
التي فشلت فشلا مُريعا..
والليبرالية.. والراديكالية .. وكل
النظم الافتكاسية .. التي لم تفلح في بلدنا
العزيز .. وكلها باءت بالفشل الذريع
الشنيع المريع .. فوجدنا أن الانفعالية
هي أكثر نظم الحكم موائمةَ لجمهوريتنا
الحبيبة .. باتستا.
( تصفيق حار، حتى تختفي صورة الزعيم، ويظهر الأب محملقا في الشاشة في تركيز
شديد يتابع الخطاب بانبهار وتأثر )
نادر
: وكل مرة يقعد أبويا
الأستاذ علي نياته قدام شاشة التلفزيون .. ويفضل مركز،
مركز، مركز في خطبة الزعيم الملهم السيد
علي ما تفرج .. لحد ما ادخل
عليه
وأنادي بكل براءة ..
( يظهر فتي ضخم الجثة يقوم بدور نادر في طفولته، يرتدي شورت بحمالات وتي
شيرت أطفال ويهتف في لهجة طفولية )
الطفل
: بابا .. يا بابا
.. بابا
نادر
: طبعا واخدين بالكم .. إن أنا الواد التخين اللي دخل ده
.. أصلي كنت أيامها،
لسه باكل في أته محلولة.
الطفل
: بابا .. يا بابا
.. بابا.
الأب : في إيه يا نادر؟ ... مش شايفني مشغول!!
الطفل
: عايز كاوتش.
الأب : أمك في المطبخ خليها تعمل لك واحد.
الطفل
: لأ يا بابا .. ده
بيتلبس .. مش بيتاكل.
الأب
: أنا مش لسه
جايبلك لبس في العيد اللي فات؟!
الطفل
: أيوه يا بابا .. إنما
ده بدل الجزمة .. عشان حصة الألعاب.
الأب : ألعاب ؟! .. هوه أنا كمان ها شيل هم حصة الألعاب؟! ..
الطفل
: الأستاذ فايز مدرس الألعاب ذنبني امبارح جنب
السور، بعد ما خلاني ألم
الزبالة من الحوش .
الأب : وماله يا ابني.. النضافة من الإيمان.
الطفل
: وما رضيش يخليني
ألعب مع زملاتي.
الأب
: أمال انت طول النهار في الشارع بتهبب إيه؟ .. مش بتلعب؟!
الطفل
: ( باكيا ) ماليش دعوة
.. أنا عايز كاوتش.
الأب : حاضر .. حاضر ما تعيطش .. بس لما تيجي العلاوة.
الطفل
: وهيه هاتيجي إمتي؟!
الأب : ما أنا مستني يا ابني علي ما تفرج.
الطفل
: وهيه هاتفرج
إمتي؟
الأب
: لما الزعيم يقول.
الطفل
: وهو ها يقول
إمتي؟
الأب
: امال أنا مركز
في إيه من الصبح ؟! .. سيبني بأه أكمل الخطبة يمكن يجيب
سيرة العلاوة.
(يعود
للتحديق في الشاشة، تظهر الأم بمريلة المطبخ وفي يدها سكين )
الأم
: علي نياته .. يا علي نياته .. ما ترد عليا يا راجل إنت.
الأب
: يووه .. وبعدين معاكم
؟ .. أنا هالاقيها منك واللا من ابنك؟!
الأم : عايزين .. بصل.
الأب
: لما تيجي
العلاوة.
الأم : والبصل ماله ومال العلاوة؟!
الأب
: ماله ازاي يا
بخاطرها؟! .. مش كل ده من مصروف البيت؟ .. يعني من
مرتبي اللي ما حلتيش غيره!!
الأم : طيب ما تزعقش .. أمال لو طلبت لحمة، كنت عملت إيه ؟!
الأب
: ( فزعا )
بس يا وليه، ما تفتحيش عين الواد .. ده لسه صغير ع الحاجات
دي ؟
الطفل
: أنا عارف كل حاجة.
الأب
: ( بفزع )
عارف إيه يا وله؟!
الطفل
: (كمن يقرأ درس قراءة )
اللحم .. نوعٌ من غذاءِ الإنسان .. غني بالبروتين
يؤكل مسلوقا أو مشويا .. ويباع عند
الجزار.
الأب : يا دي المصيبة .. وعرفت الكلام ده منين؟!
الطفل
: من المدرسة.
الأب
: والله عال .. هو التعليم باظ من شوية!!
الطفل
: يعني إيه جزار
يا بابا.
الأب
: وأنا ايش عرفني!! .. اسأل أمك.
الأم
: وأنا مالي يا خويا، انت ها تجيبلي بلوة .. ولا عمري شوفته.
الطفل
: طيب .. يعني إيه
شوربة؟!
الأم : إخص عليك يا نادر .. بأه يا واد مش عارف الشوربة؟ .. إيش
حال إذا
كنتش
مدوقهالك الجمعة اللي فاتت.
الطفل
: مش فاكر.
الأم : ياواد ما تبقاش زي القطط .. تاكل وتنكر .. فاكر الميه
اللي كان غارقان فيها
الفول
النابت؟! .. هيه دي الشوربة يا وله.
الطفل
: طب والفتة؟!
الأم : سقي فيها شوية عيش .. تبقي فتة.. وكفاية بأه جريت ريقي
.. الله يسامحك.
الأب
: شوش .. بس بأه،
خلوني أركز في الخطبة.
الأم : يا دي الخطبة اللي حايسنا بيها .. أنا رايحة ألم
الغسيل.
( تخرج الأم، بينما يظل الأب محدقا في شاشة التلفزيون .. يتأمله الطفل برهة
ثم يسأله في براءة )
الطفل
: بابا .. يا بابا
الأب : أيوه يا نادر؟
الطفل
: هوه ليه الزعيم
دايما بيطلع بقفاه؟!
الأب : ده وشه يا نادر .. مش قفاه ..
الطفل
: ( يبحلق
في الشاشة ) بس أنا مش شايف حاجة.
الأب : دي الإضاءة يا حبيبي .. الزعيم ما ينفعش يطلع علي
الشاشة كده بشحمه
ولحمه ، والناس تشوف وشه.
الطفل
: ليه؟ .. هو شكله وحش؟! .. و اللا زعيم سري؟!
الأب
: اسكت يا نادر
.. انت لسه صغير ع الحاجات دي.
الطفل
: طب يعني إيه
إنفعالية؟
الأب
: واحنا مالنا
يابني .. اسكت باه الله لا يسيئك خليني اسمع الكلمتين.
( يعود الأب للتحديق في الشاشة .. يراقبه الطفل في ضيق ثم يهتف مستجديا )
الطفل
: بابا .. يا بابا
الأب : إيه ؟ .. في إيه تاني؟!
الطفل
: لو ما جبتش كاوتش،
مدرس الألعاب ممكن يطردني من الحصة.
الأب
: يعني ها يطردك من الجنة؟
الطفل
: وممكن يضربني ..
الأب
: الضربة اللي ما تموتكش، تقويك.
الطفل
: بس العصاية
بتوجع.
الأب
: انت راجل .. يعني
لازم تستحمل.
الطفل
: ( منكسا رأسه
) وهايحرجني قدام زملاتي ..
( لحظات صمت )
الأب
: إعمل نفسك مش
واخد بالك.
تنسحب الإضاءة تدريجيا علي الأب والطفل، حتى يسود
إظلام
المشهد الثاني
( تعود
الإضاءة باهتة ضعيفة علي المستوي الأعلى حيث نادر جالسا علي الكرسي الهزاز يطوح
جسده في الفراغ، نسمع صوته بلاي باك )
نادر
: وفعلا .. عملت
نفسي مش واخد بالي .. لأن سيادة الزعيم الملهم السيد علي
ما تفرج .. ما جابش سيرة العلاوة .. وطبعا
أبويا .. ما جابش الكاوتش، بس
أمي جابت البصل. وأنا طبعا .. اتحرمت من حصة
الألعاب .. ولميت الزبالة
من
الحوش .. واتذنبت لوحدي جنب السور.
( إضاءة تدريجية علي الطفل في فناء المدرسة، وجهه للسور وهو يرفع يديه
عاليا، يرتدي بوكسر ملون بألوان فاقعة وفانلة داخلية بحمالات، وحذاء عادي بدون
جورب .. يظهر فايز مدرس الألعاب في ملابس رياضية شعبية غير مهندمة بصحبة شريف
وسميح في ملابس أطفال يلعبون بالكرة .. حبيبة في جانب من المشهد في ملابس طفلة
تقفز الحبل )
فايز : بص قدامك .. مش عايزك تتلفت وراك.
الطفل
: إيديا وجعتني يا
أستاذ.
فايز
: ( مصححا بغضب ) كابتن .. اسمي الكابتن فايز علي نفسه
.. بطل الجمهورية
في الشقلباظ .. وبعدين إيه اللي انت لابسه ده؟!
الطفل
: لبس الألعاب يا أستاذ.
فايز : تاني أستاذ؟!! .. قولنا كابتن .. وبذمتك .. ده زي رياضي
ده؟!
الطفل
: مش انت اللي قولت لنا فانلة وشورت.
فايز : فانلة ألعاب .. مش فانلة بحمالات .. و إيه ده كمان؟
.. بوكسر؟!
الطفل
: أنا سالفه من
أبويا بالعافية.
فايز
: وكمان بتاع أبوك؟.. وفين الكاوتش؟!
الطفل
: لما تيجي
العلاوة.
فايز
: هااار اسود!! ..
وكمان بتتكلم في السياسة !! .. إبقي قابلني لو فلحت.
الطفل
: أنا شاطر في كل
المواد يا أستاذ.
فايز
: كابتن .. قلنا ميت مرة كابتن .. ( يضربه ) يا أبو
مخ تخين زي جسمك ..
صدق اللي قال أجسام البغال وعقول العصافير.
( ينفجر شريف وسميح بالضحك بصوت عالي )
الطفل
: ( في ضيق ) عجبتكو أوي
دي؟!
فايز : الحكمة بتقول العقل السليم في الجسم السليم ..
هاتفلح ازاي وانت مش مهتم
بحصة التربية الرياضية والبدنية؟ .. شايف
زملاتك عاملين ازاي؟.. بص
لهم، يمكن تحس علي دمك، وتغير منهم ..
(
شريف وسميح يستعرضان لياقتهما في فخر)
فايز : شايف النشاط والحيوية؟ .. شايف اللياقة البدنية؟ ..
شاطر يا سميح .. برافو يا
شريف.
الطفل
: (متهكما ) سميح؟
.. ده ميح .. وشريف .. عقله خفيف..
( يتوعده الطفلان بمكيدة ويشرعان في تقطيع بعض الأوراق والمناديل الورقية
وإلقائها علي الأرض )
فايز
: وانت بأه اللي
جايب الديب من ديله؟!
الطفل
: أنا باطلع الأول
يا أستاذ.
فايز
: الأول من ورا ..
مش كده؟.. وبعدين قلنا كابتن. ( يلكزه بضيق )
شريف
: إلحق يا كابتن ..
لسه في زبالة في الحوش.
حبيبة
: حرام عليك يا
شريف.
سميح
: اسكتي انتي يا
حبيبة .. خليه يتأدب.
فايز
: يللا يا خفيف ... ورينا شطارتك .. مش عايز ألاقي في
الحوش ولا ورقة.
الطفل
: ما أنا لسه
منضفه يا أستاذ.
فايز
: (يضربه) قلنا كابتن .. مش باقولك مخك تخين ..
نضف بذمة.
شريف
: وياريت ينضف
الحمامات كمان.
فايز
: لأ .. كفاية عليه الحوش.
حبيبة
: والله حرام
عليكم.
فايز
: ( يلكزه )
مستني إيه .. اتحرك يا شوال اللحم.
(
يبدأ الطفل في جمع الأوراق في انكسار .. بينما تتوالي كلماتهم )
شريف
: يا تخين
سميح
: يا فشله
فايز
: يا بليد
( يبكي الطفل ويسقط ما بيده من أوراق في كمد، تقترب منه حبيبة في إشفاق..
تربت عليه مواسية .. بينما يظهر ظل الزعيم علي الشاشة ونسمع صوته يخطب .. بؤرة
إضاءة علي الأب يحملق في الشاشة بينما الأم منهمكة في تقطيع البصل تغالب دموعها المنهمرة
)
ص
الزعيم : الإخوةُ
المواطنون .. ولقد راهنتُ منذ بداية عهدي بكم .. كزعيم
لجمهورية باتستا الانفعالية، علي
المنظومة التعليمية .. وعلي هذا
أسسنا لمنهجية واضحة، وخطة
تعليمية متأنية .. من أجل النهضة
بعقول أبنائنا النجباء. فهم شباب
الغد وبناة المستقبل ..
(تصفيق حار وتخفت الإضاءة علي الجميع، إلا علي حبيبة والطفل.. نسمع في
الخلفية أصوات متداخلة )
الأب
: لما تيجي العلاوة
فايز : اتلحلح يا غبي
الأم : وده ماله ومال العلاوة؟!
شريف
: يا بليد
سميح
: يا لية الخروف
فايز
: يا بو مخ تخين
( يسد الطفل أذنيه بكفيه في معاناة )
حبيبة
: ولا يهمك .. اعمل نفسك مش سامع حاجة.
(
إظلام علي حبيبة والطفل، ثم إضاءة خافتة علي نادر في المستوي الأعلى نسمع صوته)
صوت
نادر : حاولت أعمل نفسي
مش سامع .. خصوصا كلام العيال زملاتي،
شريف علي مزاجه .. وسميح علي قده .. إنما
أكتر حاجة ضايقتني
كانت إحراجي قدام حبيبة. فكرهت حصة
الألعاب، وكرهت المدرسة،
وكرهت التعليم، إنما ما كرهتش
أبويا، ولا أمي طبعا. وبرضه،
ماقدرتش أكره بلدي .. باتستا.
إظلام
المشهد الثالث
( يسود
الظلام، بينما نسمع صوت نادر في الخلفية )
ص نادر : وكبرت .. زي ما كل العيال بتكبر .. ودخلت الجامعة .. واخترت
كلية
الحقوق .. كان عندي أمل كبير إني ممكن أعمل حاجة.
( ساحة كلية
الحقوق، الطلاب يتزاحمون علي لوحة معلق عليها نتيجة آخر السنة، يظهر شريف وسميح
وحبيبة وهم شباب في سن الجامعة. نادر
وسطهم يهتف في ذهول )
نادر : مقبول؟! .. إزاي؟!
سميح : احمد ربنا يا أخي .. أمال أنا اللي طالع بمادتين.
نادر : يا سميح انت ميح .. إنما أنا طول السنة مذاكرة وسهر ووجع قلب.
حبيبة : ما أنا كمان طالعة بمادة .. عشان رئيس القسم حاططني في
دماغة .. ده ظلم.
سميح : وفي ناس تانية (مشيرا
لشريف) كل سنة تطلع بتقدير، مع إنهم لا بيذاكروا
ولا بيفتحوا كتاب ..
شريف : ( في المحمول) أيوه يا ماما .. جيد جدا مع مرتبة الشرف طبعا .. النيابة؟!
لا .. لا .. الجامعة أحسن .. دروس
خصوصية، وكتب، ومذكرات، وبرستيج
وبرامج توك شو .. ولا إشراف علي
انتخابات .. ولا قضايا، ولا اعتصامات،
ولا وجع قلب .. أوكيه ..لأ .. غدي إيه؟
.. أنا سهران الليلادي .. باي.
نادر : إحنا مش لازم نسكت.
سميح : هانعمل إيه يعني؟! .. كده كده دور تاني.
نادر : أنا هاروح للعميد.
حبيبة : وأنا معاك.
سميح : وأنا يعني اللي واقع من قعر القفة .. معاكم يا رفاق.
شريف : علي فين يا شباب؟!
نادر : وانت مالك؟!
سميح : رايحين للعميد.
حبيبة : عشان نشتكيله.
شريف : والله فرصة .. آجي معاكم .. عشان اشكره.
( ينتقلون
من بؤرة مضيئة إلي أخري، أو إلي مستوي أعلي حيث يظهر العميد الدكتور بديع علي هواه
)
بديع : (في صرامة) النتيجة نهائية .. ومفيش تظلمات.
نادر : يا دكتور بديع .. أنا متأكد من إجابتي.
بديع : انت يا ابني مش نجحت؟!
نادر : بمقبول يا دكتور.
بديع : احمد ربنا ..غيرك شايل مادة واتنين .. غير اللي ساقطين.
حبيبة : وأنا يا دكتور بديع ؟!
بديع : انتي مشكلتك مع رئيس القسم .. وأنا
ما اقدرش أزعل أستاذ زميل.
حبيبة : لكن تقدر تضيع مستقبلي؟ .. مش كدة؟!
سميح : احنا بنضيع .. يا بديع.
بديع : أنا الدكتور بديع علي هواه .. عميد الكلية دي من
عشرين سنة .. وما حدش
قدر يعترض أو يشتكي .. جايين انتوا علي
آخر الزمن عشان تعترضوا ..
اتفضلوا اطلعوا بره من غير مطرود.
نادر : احنا بره فعلا يا دكتور.
سميح : يعني حضرتك اللي تدخل جوه .. ومن غير مطرود برضه.
حبيبة : واحنا مش هانسكت .. إحنا دارسين قانون .. يعني عارفين
حقوقنا كويس.
بديع : لا .. انتو زودتوها أوي .. فين الأمن؟! .. فين حرس
الجامعة؟!
شريف : روق دمك يا دكتور .. مفيش حاجة تستاهل .. دي زوبعة في
فنجان.
بديع : عندك حق يا شريف يا حبيبي .. ( يأخذه تحت إبطه
ويخرجان ) بمناسبة
الفنجان .. بلغ بابا إني ها اعدي عليه الليلادي أشرب معاه
فنجان قهوة ..
وبالمرة أباركله
.. وأبلغه خبر تعيينك استاف .
نادر : شايفين يا جماعة؟! .. شايفين اللي بيحصل؟!
حبيبة : عادي .. ده شيء متوقع .. دروس خصوصية .. وامتحان متباع ..
وغش ..
وتزوير
.. وتدليس .. وكله علي عينك يا تاجر.
نادر : بس ده ظلم.
سميح : واحنا بإيدنا إيه؟!
( يظلم
المسرح، إلا من بؤرة علي نادر .. يختفي سميح وحبيبة ويظهر الأب والأم )
نادر : أنا عملت اللي عليا .. ذاكرت .. وتعبت .. وجاوبت كويس .. وبمجهودي .. لا
غشيت .. ولا زوّرت.
الأب : ونجحت يا نادر.
نادر : بمقبول؟!
الأم : نعمة وفضل من عند ربنا ..
الأب : المهم انك خدت الشهادة يا ابني.
الأم : وبقيت محامي قد الدنيا.
الأب : ده اليوم اللي بنتمناه طول عمرنا.
نادر : بس أنا كان نفسي اتعين في الجامعة.
الأم : مفيش نصيب.
نادر : أو في النيابة.
الأب : نيابة مرة واحدة؟!!
الأم : إزاي يا بني؟! .. واحنا علي قد حالنا؟!
الأب : لا عندنا واسطة .. ولا معانا فلوس ندفع رشاوي؟!
نادر : يعني أعمل إيه أنا دلوقتي؟!
الأم : ودي عايزة سؤال!!
الاثنان : ( بسعادة مفتعلة ) إعمل نفسك فرحان.
( نسمع في
الخلفية أغنية الناجح يرفع إيده، لعبد الحليم حافظ )
إظلام
المشهد الرابع
( إضاءة شاحبة علي نادر في المستوي الأعلى .. نسمع صوت دقات الساعة
الرتيبة، نادر علي الكرسي الهزاز لا نكاد نميز ملامح وجهه لكننا نعرفه من صوته)
ص
نادر : عادي .. ما هو
كان لازم أفرح بنجاحي، أو علي الأقل أعمل نفسي فرحان
عشان أشارك أمي وأبويا فرحتهم بيا ..
دا أمي عملت فول نابت مخصوص
وراحت فرقته ع الغلابة، وطبعا كترت
له البصل. وأبويا .. لأول مرة في
تاريخ حياته
الوظيفية عزم كل زملاته في المصلحة علي عرق سوس
بمناسبة حصولي علي الشهادة الكبيرة. والحمد لله .. عشان
الفرحة تكمل..
ربنا كرمني و لقيت شغل علي طول، في مكتب الأستاذ
رفعت علي مهله ..
المحامي المشهور.
( إضاءة علي مكتب رفعت .. رفعت جالس خلف مكتبه يتحدث في التليفون .. أمامه
لافتة ضخمة مكتوب عليها بخط واضح .. الأستاذ/ رفعت علي مهله المحامي )
رفعت
: لا .. ولا يهمك
.. أنا وراهم والزمن طويل .. هما فاكرينها عزبة أبوهم؟! ..
دا أنا رفعت علي مهله .. أكبر محامي
تعويضات في البلد .. العين بالعين ..
والسن بالسن .. والبادي أظلم .. ولا
تشغل بالك .. دي قضية مضمونة مية
في المية .. الحساب؟! .. عيب يا راجل
.. أنا بتاع الكلام ده ؟!! ..
بعدين .. بعدين .. في حفظ الله .. مع السلامة.
( يدخل نادر مرتديا حُلة متواضعة، ورابطة عنق ليبدو في مظهر المحامين
الشبان .. يحمل في يده ملف .. يبدو سعيدا )
نادر
: صباح الخير يا أستاذ.
رفعت
: أهلا يا نادر ..
إيه الأخبار؟
نادر
: كسبنا قضية المخازن اللي اتحرقت.
رفعت
: عال .. عال.
نادر
: بس أنا شاكك في حاجة يا أستاذ.
رفعت
: خير يا نادر؟!
نادر : المخازن اتحرقت بفعل فاعل.
رفعت
: امال هاتكون
ولعت لوحدها؟! .. أكيد حد ولع فيها.
نادر : أنا شاكك في صاحب المخازن نفسه .
رفعت
: قصدك يعني عشان
يصرف التعويض؟!
نادر : بالظبط كده.
رفعت
: إن بعض الظن إثم
يا نادر .. بلاش نظلم الناس. وبعدين يا أخي هوه وضميره
بأه .. المهم ، صرفت نسبتنا في
التعويض؟
نادر
: المبلغ اتحول لحساب حضرتك في البنك.
رفعت
: كويس .. وقضية الكشك اللي اتطربق علي صاحبه.
نادر : كسبناها برضه.
رفعت
: جميل .. وشك حلو
علينا يا نادر.
نادر
: كان راجل غلبان .
رفعت
: الله يرحمه .
نادر : أتصل بالورثة يا أستاذ؟
رفعت
: ورثة إيه؟
نادر
: ورثة الراجل اللي مات ..
رفعت
: واحنا مالنا
ومالهم؟!
نادر
: عشان يصرفوا مستحقاتهم.
رفعت
: احنا اللي
هانتصل بيهم؟! .. اللي له حاجة يدور عليها .. وبعدين احنا معانا
توكيل بصرف التعويض .. يعني مش
محتاجينهم في حاجة.
نادر
: بس ده حقهم يا أستاذ.
رفعت
: واحنا اللي جبناه
.. وبعدين احنا ما خدناش منهم أبيض ولا اسود .. شيلنا
القضية لله في لله .. والحمد لله ..
ربنا ما ضيعش تعبنا.
نادر
: طيب .. وحقهم؟!
رفعت
: تاني ها يقول
حقهم .. يا سيدي لو اتكلموا .. نبقي نسكتهم بقرشين.
(
نادر يتسمر مشدوها حتى يبتلعه إظلام تدريجي ..
ثم
فجأة تضاء الشاشة في الخلفية ويظهر المذيع في تأثر بالغ )
المذيع : السادة المشاهدين .. ورد إلينا في نبأ عاجل الخبرُ
التالي .. في حادثٍ مروعٍ
لم تشهد مثله البلاد، وفي كارثةٍ
إنسانيةٍ أليمة. انهارت كتلةٌ صخرية من الجبل
الشرقي للبلاد .. وأسفر هذا الانهيار عن
تهدم مئات المنازل من العشوائيات
المقامة
في سفح الجبل .. مما نتج عنه عشرات الضحايا ومئات المصابين ..
وقد انتقل السيد علاوله .. رئيس الوزراء إلي موقع الحادث للاطمئنان علي
الجبل .. ومعكم مراسلتنا من موقع الأحداث
ولقاء حصري مع معالي رئيس
الوزراء
.. السيد علاوله.
( بؤرة مضيئة علي
المذيعة مع علاوله .. يظهر في الكادر الكاميرامان )
المذيعة : مساء الخير يا فندم.
علاوله : أهلا وسهلا .. فضائية .. واللا محلية؟!
المذيعة : التلفزيون الرسمي يا فندم .
علاوله : برافو.
المذيعة : ممكن حضرتك تكلمنا عن ملابسات الحادث.
علاوله : أبدا .. عيل من ولاد الـ عشوائيات .. ودول طبعا ولادنا
.. كان بيلعب فوق
الجبل هو وصحابه .. رمي طوبة من فوق
الجبل .. نقول إيه ؟ .. شقاوة
عيال.
المذيعة : طوبة تعمل ده كله؟
علاوله : برافو .. سؤال وجيه جدا .. لو حسبنا ارتفاع الجبل ..
وقوة الجاذبية
الأرضية .. ممكن نتخيل مدي قوة الطوبة لما
تترمي من فوق الجبل.
خصوصا لو كان الواد لئيم .. وحدفها رشق.
المذيعة : بعض الشهود بيأكدوا إنهم شافوا نبلة فوق الجبل؟!
علاوله : لا .. لا .. لا.. دي اشاعات مغرضة .. إحنا ما عندناش خرطوش.
المذيعة : وهل تم حصر الخسائر؟
علاوله : الحمد لله .. الجبل بخير.
المذيعة : والأهالي.
علاوله : دول ناسنا وأهلنا .. طبعا لازم نعوضهم.
المذيعة : إزاي يا فندم؟!
علاوله : ها نصرف لكل متوفي توب بفتة، العرض عرضين عشان يعمله
كفن ..
وهانخصص له مترين أرض يندفن فيهم .. ده
غير إننا ها نديله لقب شهيد.
المذيعة : والمصابين يا فندم؟!
علاوله : هاندعيلهم
بالشفا.
المذيعة : واللي بيوتهم اتهدت؟!
علاوله : ربنا يعوض عليهم.
المذيعة : في نهاية لقائنا .. تحب سيادتك تسمع إيه؟!
علاوله : اسمع زغروتة حلوه كدة .. من شفايفك الطعمين دول.
( المذيعة تطلق زغرودة ممطوطة تذوب وسط صرخات وبكاء النساء .. إظلام علي
المذيعة و علاوله، وإضاءة علي رفعت والمذيع ومعهم كاميرامان لقناة فضائية )
رفعت : (في
انفعال مفتعل ) حسبي الله
ونعم الوكيل .. اللي ماتو دول دمهم في رقبة
مين ؟!.. والبيوت اللي اتخربت ..
والأسر اللي اتشردت .. مين المسئول عن
ده كله ؟! .. مش الحكومة؟!
المذيع : لكن الحكومة نفت أي صلة لها بالموضوع يا أستاذ رفعت.
رفعت : الحكومة تقول اللي تقوله .. إنما الكلمة الأولي
والأخيرة للقضاء النزيه..
والعدالة العامية.
المذيع : قصد حضرتك النزيهة ؟!
رفعت : نزيهة .. نبيهة .. هو احنا هانناسبها؟!
المذيع : وإيه هو الإجراء اللي حضرتك ها تتخذه بهذا الصدد؟
رفعت : بصفتي الإنسانية أولا .. ثم بصفتي الشخصية ثانيا ..
والمهنية ثالثا ..
وبصفتي ناشط حقوقي .. وفقيه قانوني ..
ها ارفع قضايا تعويضات لكل أسر
الضحايا والمتضررين من هذه الكارثة .. وبالفعل،
خدنا توكيلات من الجميع ..
بلا استثناء .. حتى اللي ماتوا.
المذيع : والأتعاب يا أستاذ؟!
رفعت : أتعاب إيه؟! .. أنا مش بتاع الكلام ده .. أنا وهبت نفسي
لخدمة الناس الغلابة
دول
.. وفي الأول والآخر .. كله لله وللوطن.
المذيع : ده شعور نبيل جدا من حضرتك.
رفعت : ده واجبي يا أستاذ .. ومكتبي مفتوح لأي مواطن .. في أي
وقت .. أربعة
وعشرين ساعة، حتى الجمع والعطلات
الرسمية .. وياريت تنزلوا العنوان
وأرقام التليفونات عندكم في الشريط الصغنون
اللي بيظهر تحت ده.
المذيع : نزلت بالفعل يا فندم.
رفعت : فضائية .. مش كده؟!
المذيع : ( بضيق
) أيوه .. أيوه.
رفعت : والحلقة دي ها تتذاع إمتي ؟!
المذيع : إحنا فعلا ع الهوا
يا أستاذ ..
رفعت : ع الهوا؟ ... طب وهاشوفني إزاي؟!
المذيع :( للجمهور ) وهكذا أعزائنا المشاهدين .. نقلنا لكم هذا الحوار مع
الناشط
الحقوقي .. والفقيه القانوني .. المحامي الشهير
.. الأستاذ رفعت علي مهله ..
كان معكم ممدوح علي كيفه .. من
قناة يا رايح كتر الفضايح.
( إظلام علي المذيع ورفعت ، وإضاءة علي مكتب رفعت الذي يموج بالحركة ..
مجموعة من المواطنين في زحام .. سميح يستقبلهم .. ونادر في جانب من المشهد يبدو
عليه الضيق .. يندفع صابر وسعيد من وسط الجمهور )
سميح : الصبر يا جماعة .. الصبر .. كلكم ها تقابلوا الأستاذ ..
بس بالدور .. بالدور.
صابر : دور إيه؟! .. إحنا اتهرينا طوابير .. ما تخلصونا باه.
سميح : اسمك إيه؟
صابر : صابر.
سميح : بالكامل
صابر : صابر علي ماتيجي ...
سميح : طيب اصبر يا سي صابر.
صابر : ما أنا طول عمري صابر .. وما فيش حاجة بتيجي.
سميح : وانت؟ .. اسمك إيه؟
سعيد : ( مبتسما ) سعيد ..
نادر : علي إيه؟!
سعيد : ما شاء الله .. وعرفت اسمي بالكامل؟.. بركاتك يا أستاذ
رفعت ..
( مهللا ) مدد .. مدد.. مدااااااد
.
نادر : إيه يا عم هو أنت داخل مقام؟!
سعيد : أكتر .. ده المتر سره باتع .. ولا ميت ولي .. كفاية إنه
ها يرجع لنا حقوقنا.
نادر : (منفجرا فجأة ) حقوق إيه؟
.. انتوا بتصدقوا الكلام ده؟!
سعيد : يا حول الله يارب .. ماله الجدع ده؟!
صابر : حلمك علينا يا متر .. مش كده أمال.
سميح : مالك يا نادر؟! .. في إيه؟!
نادر : أنا خلاص .. مش قادر .. هانفجر .. هانفجر .
سميح : طيب بس بعيد لو سمحت .. عشان لسه مسيق الأرضية .
نادر : انت بتهزر يا سميح؟!
سميح : امال اعملك إيه ؟َ! .. ده كلام يتقال يا نادر؟!
نادر : الناس دي صعبانة عليا .. حاسس إننا بنخدعهم .. وبنستغل
بساطتهم.
سميح : واحنا مالنا؟! .. حد كان ضربهم علي إديهم؟
نادر : المفروض نفهمهم.
سميح : نفهم مين يا عم؟! .. انت عايز تقطع عيشنا .. اسكت الله
لا يسيئك.
نادر : ها تفضل طول عمرك كده يا سميح؟
.. ميح؟.. حتي ضميرك .. عايز
تمسحه بأستيكة؟!
سميح : يعني إحنا اللي هانصلح الكون؟!
نادر : وما نصلحهوش ليه ؟! .. لا ناقصنا عقل، ولا لسان.
سميح : خلاص يا سيدي .. اتفضل صلحه .. فهمهم إذا كنت تقدر.
نادر : يا ناس افهموا .. حقوق إيه اللي ها ترجع لكم .. مفيش حاجة هاترجع.
صابر : فال الله ولا فالك ..
سعيد : تف من بقك.
صابر : مجنون ده واللا إيه؟
نادر : صدقوني .. اقروا التوكيلات اللي انتوا ماضيين عليها
كويس.
سعيد : (
بابتسامة عريضة ) إحنا ما
بنعرفش نقرا.
نادر : مش ها تاخدوا غير نسبة بسيطة من التعويضات.
صابر : نعمة وفضل من عند ربنا.
سعيد : حد لاقي؟!
نادر : بس دي أقل من حقوقكم بكتير.
صابر : مش احسن من مفيش؟!
نادر : والباقي ها يكوش عليه رفعت لواحده.
سعيد : وماله .. ربنا يباركله.
نادر : إنتوا إيه؟! .. ما بتفهموش؟!
صابر : ونفهم ليه؟! .. هوه احنا ناقصين وجع دماغ ؟!
سعيد : وهما يعني اللي فهموا كانوا عملوا إيه؟!
صابر : وسع كده خلينا نخش للأستاذ.
( يزيح نادر
جانبا ويدخل )
سعيد : ( يخلع فردتي حذاءه، ينفضهما ويحملهما
تحت إبطه ) مدد يا متر .. مدد
شي لله يا أستاذ علي مهله .. بركاتك يا
جابر بخاطرنا.
( يزيح نادر
ويدخل خلف صابر، يقف نادر مصدوما )
نادر
: الظاهر إن أنا
اللي مش فاهم حاجة!!
سميح
: أحسن .. ويا ريت
لو فهمت ..
ابقي اعمل
نفسك مش فاهم .
إظلام تدريجي حتى ينزل
الـسـتــــــار
الفصل الثاني
مش
لازم تضحك ...
المهم ...
إنك ما تعيطش !!
المشهد الأول
( نفس الإضاءة الشاحبة علي المستوي الأعلى .. حيث يجلس شبيه نادر علي
الكرسي في هدوء .. لا نميز ملامحه من بعيد .. لكننا نسمع صوته )
ص نادر : وفي
وسط الأحداث دي كلها .. كان مستحيل أنسي حبي الأول والأخير
حبيبة عليه العوض .. دورت عليها في
كل مكان .. خصوصا بعد ما
اتفصلت من الكلية .. وللأسف ما
لقيتش حد يدلني عليها غير الواد الميح،
اللي اسمه سميح.
( إضاءة علي ميدان عام في المستوي الأدنى .. نادر مع سميح في بؤرة مضيئة ..
نادر يحمل باقة زهور و ينظر في ساعته بقلق )
نادر : انت متأكد إنها جاية؟
سميح : عيب يا نادر .. ده أنا سميح.
نادر : ماهو ده اللي قالقني.
سميح : ما تقلقش، زمانهم جايين.
نادر : زمانهم؟! .. أنا جاي أقابل حبيبة .. إنت نسيت واللا إيه؟
سميح : وأنا عملت اللي عليا .. وجبتك المكان الوحيد اللي ممكن
تلاقيها فيه .. أهم
وصلوا.
( تظهر حبيبة
في مظاهرة حاشدة .. تهتف والجميع يردد خلفها )
حبيبة : ساكت .. ساكت .. ساكت ليه؟
الجميع : ساكت .. ساكت .. ساكت ليه؟
حبيبة : خدت حقك واللا إيه؟
الجميع : خدت حقك واللا إيه؟
حبيبة : علّي وعلّي .. وعلّي الصوت ..
الجميع : علّي وعلّي .. وعلّي الصوت ..
حبيبة : اطلب حقك .. مش
ها تموت.
الجميع : اطلب حقك .. مش ها تموت.
نادر : دي مظاهرة!!
سميح : ما أنا نسيت أقولك .. مش حبيبة بقت ناشطة سياسية.
نادر : الله يخرب بيتك يا سميح .. ما انت عارف إني ماليش في
السياسة.
سميح : عيش حياتك بأه يا حلو .. سلام.
نادر : رايح فين؟!
سميح : ما أحبش أكون عزول.
نادر : عزول إيه وسط المولد ده كله؟!
سميح : أشوفكم في التلفزيون. ( يخرج )
( نادر يحاول
الوصول إلي حبيبة والحديث معها لكن دون جدوى، فهي مشغولة بالهتاف وتجوب المسرح مع
المجموعة )
حبيبة : ساكت .. ساكت .. ساكت ليه؟ .. خدت حقك واللا إيه؟
نادر : حبيبة .. يا حبيبة.
حبيبة : علي وعلي .. وعلي الصوت .. اطلب حقك مش ها تموت.
نادر : (ملوحا بالزهور ) حبيبة.
( يظهر ثابت علي
رأيه وهو شاب من الثوار، يقود مجموعة أخري من الشباب )
ثابت : بالروح .. بالدم .. نفديكي يا باتستا.
الجميع : بالروح بالدم
.. نفديكي يا باتستا.
ثابت : مش هانروّح .. عايزين حقوقنا.
الجميع : مش هانروّح .. عايزين حقوقنا.
( فجأة تدوي أصوات إنفجارات، وسارينة شرطة .. تليها سارينة إسعاف .. ثم
مطافي .. دخان كثيف يسود المكان.. هرج ومرج .. كر وفر من المتظاهرين .. أصوات
مختلطة لمعركة بين المتظاهرين ورجال الأمن .. من بين كل ذلك يظهر نادر حائرا تائها
يبحث عن حبيبة .. لازال يتشبث بباقة الزهور )
نادر
: حبيبة .. حبيبة..
حبيبة.
( إظلام سريع علي نادر .. ثم إضاءة علي الأب في بؤرة أخري ومستوي آخر يشاهد
التلفزيون .. الأم منهمكة في تقطيع البصل كعادتها )
الأب
: العيال دي مش
هاتجيبها لبر .. مش هايرتاحوا غير لما يخربوا البلد.
الأم : ما لهمش أهل دول يلموهم؟!
( يظهر
علاوله علي الشاشة الكبيرة في حوار مع المذيعة )
علاوله : إحنا هانلمهم .. واللي أهله مش عارفين يربوه.. الحكومة
تربيه.
( رفعت علي مستوي
آخر في حوار مع المذيع )
رفعت : التظاهر حق مشروع للجميع .. والدستور بيكفل حق التظاهر
.. والاعتصام
كمان.
المذيع : بس كده البلد هاتولع يا أستاذ.
رفعت : ما تولع .. خلينا ناكل عيش.
( يظهر شريف
علي أحد المستويات في حوار مع المذيعة )
المذيعة : بصفتك أستاذ قانون .. إيه رأيك في اللي بيحصل ده؟!
شريف : دي عيال فاشلة .. فاضيين .. مش لاقيين حاجة يعملوها.
المذيعة : يعني رأي حضرتك لو شغلنا وقت فراغهم .. مش هايلاقوا وقت
للمظاهرات؟!
شريف : أكيد.
المذيعة : وإيه رأي حضرتك في الحكومة الجديدة.
شريف : ( كأنه يغازل المذيعة ) بنت حلال .. بنت حلال مصفي.
( ثم تتداخل
الجمل تباعا علي كافة المستويات وكأن كل يغني علي ليلاه )
علاوله : ميت فل واربعتاشر.
رفعت : سمك .. لبن .. تمر هندي.
الأب : ماجابوش سيرة العلاوة.
الأم : ( تغالب
دموعها من البصل ) عايزين
نفرح بالواد.
شريف : ( للمذيعة) انتي مرتبطة؟!
( نعود
للمستوي الأول حيث نادر الذي لازال يبحث عن حبيبة.. باقة الزهور مبعثرة أصابها ما
أصابها من أثر المعركة.. ونادر ملابسه رثة
وشعره أشعث أغبر )
نادر : ( صارخا )
حبيبة!!
( فجأة يجدها
أمامه.. يهتف في سعادة )
نادر : حبيبة.
حبيبة : نادر؟! .. إيه اللي جابك هنا؟!
نادر : ( مباغتا ، يمد يده بالزهور ) كنت معدي بالصدفة.
حبيبة : (تتأمل
الزهور دون اكتراث) كنت فاكراك جاي عشان مقتنع بقضيتنا.
نادر : ( مترددا ) ما أنا مقتنع.
حبيبة : انت عمرك ما كان ليك في السياسة.
نادر : مين قال كده؟! .. ده أنا متربي في بيت بيتنفس سياسة .. بياكل
سياسة ..
ويشرب سياسة .. ده أبويا ما بيفوّتش
خطبة للزعيم.
حبيبة : وانت بتصدق الخطب دي؟!
نادر : أبويا مصدقها.
حبيبة : أصله علي نياته.
نادر : (
في ضيق) ما هو لو طلع
الزعيم كداب .. يبقي عليه العوض.
حبيبة : انت لسه بتشتغل عند رفعت علي مهله؟!
نادر : ( ناكسا رأسه ) انتي عرفتي؟!
حبيبة : مش هوه ده وأمثاله اللي بيتاجروا بمصايبنا, وبيمصوا في
دم الغلابة؟!
نادر : حاولت أفهمهم .. ما رضيوش يفهموا .. حتي اسألي سميح.
حبيبة : أنا بسألك إنت .
نادر : صدقيني يا حبيبة .. حاولت وما عرفتش.
حبيبة : ما كانش لازم تيأس .. المفروض تحاول تاني وتالت ومليون.
نادر : جهلهم كان اقوي مني .. وفقرهم كان أقوي.. وأقوي .. وأقوي ..
حبيبة : ده ما يمنعش
انك مشارك في الجريمة.
نادر : جريمة؟! .. يعني كنت اعمل إيه؟! .. أسيب الشغل؟! .. طب وأمي
.. وأبويا ..
واخواتي الصغيرين؟!.. أنا ما صدقت اتخرجت
ولقيت شغلانة أشيل بيها الهم
عنهم شوية.
حبيبة : والمثل العليا؟! .. والقيم؟!
نادر : لما يتحد الفقر والقهر علي بني آدم .. ما تسأليهوش عن
القيم .. في مجتمع
غابت فيه العدالة ما تسأليش عن مثل عليا
... فقر وجوع وجهل ومرض .. كل
دي أسلحة في إيد نظام فاسد مستبد ضد شعب ما
يملكش غير الاستسلام والخنوع
عشان يلاقي فرصته الوحيدة في الحياة.
حبيبة : مفيش حياة من غير كرامة.
نادر : ومفيش كرامة من غير عدالة .. والعدالة طلعت عامية
والميزان كفته مقلوبة.
حبيبة : يا خسارة يا نادر .. سلمت بدري.
نادر : حبيبة .. أنا مستعد اعمل أي حاجة عشانك .
حبيبة : عشاني أنا؟! .. أنا مش مهم .. المهم بلدنا يا نادر .. الوطن.
نادر : انتي وطني يا حبيبة.. مستعد أفديكي بروحي.
( يدخل أحد
الشباب صارخا في انفعال ليبتر جملة نادر )
الشاب : إلحقي يا حبيبة .. قبضوا علي ثابت.
حبيبة : ( في لوعة ) إيه؟! .. ثابت ( تهم بالرحيل
جزعة)
نادر : استني يا حبيبة .. حبيبة.
حبيبة : ( باكية
) قبضوا علي ثابت
يا نادر .. قبضوا علي ثابت.
نادر : مين ثابت ده؟!
حبيبة : ثابت علي رأيه .. خطيبي.
نادر : إيه؟!
( تتركه في
ذهوله وتخرج مسرعة.. يقف مصدوما حتى يبتلعه الظلام بعد أن تسقط الزهور من يده )
إظلام
المشهد الثاني
( نسمع صوت نادر
في الخلفية )
ص نادر : كانت مفاجأة طبعا .. بس أنا عملت نفسي مش زعلان ..
وماجبتش سيرة
لأبويا ولا أمي .. لكن اللي ها يجنني ..
عرفوا إزاي إن أنا كنت في
مظاهرة؟!
( ثم يظهر نادر
في هيئته الرثة يقف في انكسار أمام الأب والأم
)
الأب : ( في غضب
) مظاهرات ؟! ..
مظاهرات يا نادر؟ .. هيه دي آخرة تربيتي
فيك؟
الأم : خلاص بأه يا علي نياته .. أول وآخر مرة يا خويا .. مش
هايعمل كده تاني.
الأب : ده بدل ما تركز في شغلك .. وتتلفت لمستقبلك؟!
نادر : أنا مش صغير عشان تعاملوني بالشكل ده.
الأب : ومهما كبرت .. مش هاتكبر علينا يا سي نادر.
الأم : احنا يابني خايفين عليك ..
نادر : ومش خايفين عالبلد؟!
الأب : والبلد مالها؟! .. الخير كتير والأشيا معدن.
الأم : والبصل مغرقنا من ساسنا لراسنا.
الأب : المفروض نشكر ربنا .. مش نتبطر ع النعمة ونروح نعمل
مظاهرات.
نادر : نعمة؟! .. هيه فين النعمة دي ؟
الأم : استغفر الله العظيم .. ما تقولش كده يا بني، لا النعمة
تزول.
الأب : انت ها تكفر يا نادر؟!
نادر : هوه اللي يقول الحق في الزمان ده يبقي كافر؟!
الأب : لا .. ده انت زودتها خالص.
الأم : ماعلش يا خويا .. أكيد ما يقصدش .
نادر : انتوا محسسيني
انكم عايشين في بلد تانية .. مش في باتستا.
الأب : ومالها باتستا؟! .. دي بلدنا والعيشة ألسطة.
الأم : وبعدين احنا أحسن من غيرنا.. حد لاقي بصل اليومين دول؟!
الأب : إيه اللي مش عاجبك في باتستا؟
نادر : قولي انت يا بابا .. إيه اللي عاجبك فيها؟!
الأب : كفاية إنها بلدنا .. الوطن يا نادر .. الهوم.
نادر : ما هو عشان كده صعبانة عليا.
الأم : ما يصعبش عليك غالي يا حبيبي ..
الأب : مالك يا نادر يا ابني؟! .. انت اليومين دول مش زي عوايدك
..
نوديك لدكتور؟
نادر : ( بضيق ) أنا مش عيان.
الأم : تبقي عين وصابتك ..
نادر : ولا محسود.
الأب : أمال مالك يابني؟!
نادر : مخنوق .. مكبوت .. مقهور.
الأم : بعد الشر عليك من القهرة يا ضنايا.
الأب : إحنا يابني
قصرنا معاك في حاجة؟
الأم : قول يا حبيبي ما تتكسفش .. نفسك في إيه وأنا اعملهولك؟
نادر : نفسي ..أحس بكرامتي ..
الأب : ما تحس يا بني .. حد حايشك؟!!
نادر : نفسي أدوق طعم الحرية.
الأم : ودي بتتعمل ببصل برضه يا نادر؟!
نادر : نفسي اشعر بآدميتي. لا حد يهيني، ولا ينتهك إرادتي ..
نفسي في شوية أمل.
الأب : وهيه الحكومة مخلية نفسنا في حاجة؟
الأم : دي علي آخر جهدها يا بني .. ناقص تشحت علينا.
الأب : بس حملهم تقيل .. والمسئولية كبيرة.
الأم : ربنا يكون في عونهم .. ويوفقهم .. قادر يا كريم.
الأب : والزعيم الله يستره .. كل يومين تلاتة يتكرم علينا
بكلمتين حلوين .. يواسينا
ويطيب بخاطرنا.
الأم : كتر خيره ..يعني ها يقطع نفسه؟!
الأب : والحكومة .. مش ملاحقة مشاريع .. أيشي كنتاكي .. وايشي مراجيح
.. وايشي
ملاعب
جولف .. وساونة .. وجاكوزي .. مش مخليين
نفسنا في حاجة .
الأم : إن جيت للحق يا خويا .. مش مخليين .
الأب : بناكل أحلي أكل.
الأم : أي والله يا خويا ... اسألني أنا.
الأب : وبنشرب أنضف ميه.
الأم : طعم وريحة يا خويا .. طعم وريحة.
الأب : وبنشم أجمل هوا.
الأم : منعش .. ويرد الروح.
الأب : وبنركب أفخم مواصلات.
الأم : ملوكي .. وحياتك ملوكي.
الأب : والتعليم علي أعلي مستوي.
الأم : وبالمجان .. والباص إجباري.
الأب : وبنتعالج علي نفقة الدولة.
الأم : من غير قرارات ولا وسايط.
الأب : وفي أكبر المستشفيات.
الأم : سبع نجوم .. والمُرافق فول بورد.
الأب : وبأحدث التقنيات.
الأم : واللي ما يخفّش .. يبقي هوه الغلطان.
نادر : طب والغلابة اللي نايمين ع الارصفة ؟!
الأب : دي منتجعات مفتوحة للي عايز يغير جو.
نادر : والجعانين اللي بياكلوا من أكوام الزبالة؟!
الأم : نفسهم حلوة ..
الأب : والنفس الحلوة لها الجنة.
نادر : واخواتي اللي ياما ناموا من غير عشا؟!
الأم : نايمين خفاف ..
الأب : عشان الأكل ما يكبسش علي مراوحهم.
نادر : والعلاوة اللي مش عايزة تيجي؟
الأب : بكرة تيجي .. إحنا مستعجلين علي إيه؟
نادر : والبصل اللي ما بناكلش غيره؟
الأم : كله فيتامينات ومضاد حيوي كمان .. يعني أكل ودوا .. حد
لاقي.
نادر : والمظلومين اللي مرميين في السجون؟!
الأب : يا بختهم .. نايمين .. صاحيين .. واكلين .. شاربين .. ساكنين .. ببلاش.
نادر : والحقوق اللي ضايعة؟!!
الأب : مفيش حاجة بتضيع عند ربنا.
نادر : والشباب اللي ماتوا؟!
الأم : في الجنة ونعيمها.
نادر : ( في ذهول
) انتو مصدقين
الكلام ده؟!
الأثنين : آه .. ولو مش مصدق ...
اعمل
نفسك مصدق.
إظلام
المشهد الثالث
( المستوي الأعلى
.. نفس الإضاءة الشاحبة .. يظهر الشبيه جالسا علي الكرسي الهزاز .. ونسمع صوت نادر
في هدوء يتناقض مع احتدام الأحداث )
ص نادر : وصدقت إن أنا ثوري .. وإن أنا خارج عشان مصلحة البلد..
وفي الحقيقة
أنا كنت بانتهزها فرصة عشان أشوف حبيبة، وأكون قريب
منها..
خصوصا ، وثابت علي رأيه .. كان لسه
مقبوض عليه.
( إضاءة
متوالية علي باقي مستويات التشخيص في عرض لجوانب مختلفة من مظاهرات الشباب ..
وردود الأفعال المتباينة .. حبيبة تقود
مجموعة .. تهتف بحماس )
حبيبة : يا حرية فينك فينك .
الجميع : يا حرية فينك
فينك
حبيبة : الحكومة بينا
وبينك.
الجميع : الحكومة بينا وبينك.
( بؤرة أخري
علي نادر يقود مجموعة .. يهتف )
نادر : يا علاوله قول
الحق ..
الجميع : يا علاوله قول الحق ..
نادر : لينا حقوق واللا لأ؟
الجميع : لينا حقوق واللا لأ؟
حبيبة : ثابت ثابت ثابت
فين؟
الجميع : ثابت ثابت ثابت فين؟
نادر : ( يهتف
باستنكار) ثابت؟! .. ثابت!! .. ثابت مين؟!
الجميع : ( بتلقائية ) ثابت.. ثابت.. ثابت مين؟!
حبيبة : ( هاتفة ) فين مكانه مش عارفين.
الجميع : فين مكانه مش عارفين.
نادر : مش عايزين نعرف.
الجميع : مش عايزين نعرف.
نادر : إحنا مالنا ومال مكانه.
الجميع : إحنا مالنا ومال مكانه.
( علي مستوي آخر،
يظهر المذيع ممسكا بميكروفون )
المذيع : وهكذا أيها المشاهدون احتدمت المظاهرات، وانطلقت
المسيرات في كل
ربوع باتستا .. وخرج العشرات من الشباب
..
حبيبة : ( معترضة بضيق ) عشرات إيه يا عم؟! .. قول مئات
.. آلاف.
المذيع : ( مسترسلا يضغط حروف كلماته في أداء مبالغ )
ينددون .. ويشجبون ..
ويعترضون .. ويهتفون مطالبين بإسقاط
الحكومة.. انها ثورة الشباب.
( يظهر
علاوله في مستوي آخر في حوار مع المذيعة )
علاوله : ثورة ؟! .. انتي بتسميها ثورة يا قمورة؟
المذيعة : امال حضرتك تسميها إيه؟!
علاوله : شقاوة عيال .. طيش شباب .. روشنة.
المذيعة : بس دول بيطالبوا بإسقاط الحكومة.
( يظهر رفعت
مع المذيع )
رفعت : حقهم .. وأنا كمان باضم صوتي لصوتهم ..
علاولة : علي جثتي .. الحكومة خط أحمر.
حبيبة : ( تهتف ) إحنا الشعب الخط الأحمر.
الجميع : إحنا الشعب الخط الأحمر.
نادر : الحكومة لازم تمشي ..
الجميع : الحكومة لازم تمشي ..
حبيبة : هيه تمشي .. مش هانمشي.
الجميع : هيه تمشي .. مش هانمشي.
رفعت : بالذوق بالعافية .. هاتمشي.
علاولة : ( متشبثا بالكرسي في طفولية ) دا مين دا اللي
يمشي؟! .. الحكومة دي
بتاعتي أنا .. ومفيش حد يقدر يتعتعني من علي الكرسي ده.
( يظهر
الزعيم علي الشاشة الضخمة .. في بيان هام، الجميع يتطلع إليه في ترقب)
الزعيم : الإخوة المواطنون ..
الأب : (
بانبهار ) تعالي يا
بخاطرها .. الزعيم هايقول بيان.
الأم : النبي حارسه
وصاينه .. ياختي عليه .. منور الشاشة .. قمر يا خواتي .. قمر.
الزعيم : شعب باتستا الجميل .. نظرا لما تمر به البلاد من أحداث عصيبة
.. ونزولا
علي رغبة جموع الشعب الغفيرة .. قررنا نحن
علي ما تفرج .. زعيم جمهورية
باتستا الإنفعالية ... إقالة الحكومة
الحالية.
الجميع : ( في
سعادة )
هييييييييييييييييييييييييه
علاوله : إيه؟! .. د أنا اجيب عاليها واطيها ..
رفعت : (
متشفيا ) ها ها هأو
أو .
الزعيم : ولقد قررنا تكليف السيد علاوله .. بتشكيل الحكومة الجديدة
..
علاوله : ( كالأطفال ) هييييييييييييييه
الجميع : ييييييييييييييه
الزعيم : والله الموفق والمستعان.
رفعت : حسبي الله ونعم الوكيل.
الأب : أهو اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش .
الأم : المهم ما يرفعوش الدعم عن البصل.
رفعت : ( في تملق ) علاوله ؟! ... ده راجل خبرة .. وله باع
طويل في السياسة ..
المهم ربنا يوفقه .. ويحسن الاختيار ..
ويراعي الكفاءات وذوي الخبرات
في تشكيل الحكومة الجديدة. ( مشيرا لنفسه
)
( يسرع المذيع
لينضم للمذيعة في تسابق لحوار مع علاوله )
المذيعة : ( لعلاولة ) وإيه رؤية حضرتك بالنسبة
للمستقبل.
علاوله : المستقبل في علم الله ..
المذيع : معني كده ان حضرتك هاتشتغل بنفس آليات الحكومة السابقة؟!
علاوله : انتو عايزين حاوي، مش رئيس حكومة.
المذيعة : المهم الناس يا فندم تحس بالتغيير.
علاوله : أكيد ..
المذيع : وإيه أول قرار حضرتك هاتاخده؟!
علاولة : إلغاء وزارة الداخلية.
المذيعة : معقولة يا فندم؟
علاولة : وإنشاء وزارة بديلة .. ها نسميها وزارة الجوانية.
المذيع : ده تغيير جذري يا فندم ..
علاوله : امال إيه .. فكر جديد.
المذيعة : طيب والوزير؟
علاوله : بتاع الداخلية؟ .. دا راجل كُبارة .. وجمايله مغرقانا
.. ها نمسكه الوزارة
الجديدة. أمال إيه .. التغيير مطلوب.
المذيع : والشباب المعتقلين .. مصيرهم ها يكون إيه معاليك؟!
علاوله : إحنا ما عندناش حد معتقل .. د ي حتي الزنازين أجرناها
قانون جديد.
المذيعة : إزاي يا فندم .. التقارير بتقول غير كده!!
علاوله : دي إشاعات مغرضة .. أؤكد لك .. إحنا ما عندناش ولا
معتقل..
( بؤرة
اضاءة علي ثابت جالس علي كرسي تحقيق مكبل اليدين ومعصوب العينين يرتعد في رعب .. والمحقق
يستجوبه في قسوة.. نسمع صفعة عنيفة علي وجه ثابت )
المحقق : اسمك إيه ياله؟ .. انطق.
ثابت : ثابت .. اسمي
ثابت علي رأيه.
المحقق : ولسه مُصر علي أقوالك يا ثابت؟
ثابت : أقوال إيه؟! ..هو أنا فتحت بُقي!!
المحقق : انت مش لسه معترف بعضمة لسانك؟!
ثابت : معترف بإيه؟! .. أنا ما قولتش حاجة؟!
المحقق : انك عضو في تنظيم سري لقلب نظام الحكم.
ثابت : أنا؟!
المحقق : وبتتمول من الخارج.
ثابت : كمان؟
المحقق : ومعاك أجندات اجنبية.
ثابت : لا والله العظيم .. ده أنا حتي باشجع المنتج الوطني.
المحقق : وامك.
ثابت : أمي؟! ..
مالها يا باشا؟!
المحقق : معاها جنسية أجنبية.
ثابت : لأ .. كله إلا كده... بلاش حكاية أمي دي يا باشا.
المحقق : ( في تقرير ) يعني معترف بكل اللي فات... (
لأعوانه ) علقوه.
ثابت : ( ينتفض في ألم ) لأاااااااااااه .
( إظلام
سريع وإضاءة علي حبيبة تهتف بين الشباب )
حبيبة : علي وعلي ..
وعلي الصوت.
الجميع : علي وعلي .. وعلي الصوت
حبيبة : اطلب حقك .. مش ها تموت
الجميع : اطلب حقك .. مش ها تموت
( يظهر سميح
في جانب من المسرح متلفتا في فزع .. يهتف في خوف )
سميح : إلحقوا .. إلحقوا .. بيقفشوا في الثوار.
( يسرع
الجميع بالجري في اتجاهات متفرقة بينما يطاردهم الجنود بالهراوات .. لحظات ويظهر
نادر يهتف في الجميع )
نادر : مش ها نسلم .. مش ها نطاطي .. إحنا كرهنا الصوت
الواطي.
الجميع : مش ها نسلم .. مش ها نطاطي .. إحنا كرهنا الصوت
الواطي.
( يظهر سميح
هاتفا في فزع )
سميح : إلحقوا .. إلحقوا .. بيسحلوا في البنات.
( يسرع
الجميع بالجري في اتجاهات متفرقة بينما يطاردهم الجنود بالهراوات .. لحظات وتظهر
حبيبة يجرها أحد الجنود بقسوة .. نادر يحاول إنقاذها )
حبيبة : ( تهتف
) آآآه .. إلحقني يا نادر .
نادر : لأ .. كله إلا
حبيبة .. لو خدتوها .. يبقي عليه العوض.
حبيبة : نادر ..
نادر : حبيبة ..
( يتشبث بها
وتتشبث به بينما ينهال الجنود عليهما ضربا .. وسط صراخهما .. حتى يحدث إظلام تام،
ونسمع صوت دقات الساعة الرتيب في الخلفية .. يبدو أعلي من كل مرة .. نسمع صوت نادر
المعتاد والمحايد )
ص نادر : ودافعت باستماتة عن حبيبة .. الكل جري ما عدايا .. حتي الواد سميح،
فص ملح وداب .. حبيبة دلوقتي في
المستشفي .. وأنا .. متلقح قدامكم أهه
في مكان ما من الوطن الرحيب.. معصوب
العينين، موثوق اليدين، والقدمين
مسحول.. منفوخ .. من الآخر كده .. متروق
.
( يظهر نادر
جالسا علي كرسي تحقيق إلي جواره ثابت علي كرسي آخر.. يبدو عليهما آثار التعذيب..
كل منهما معصوب العينين ومكبل اليدين والقدمين )
نادر : ( يتألم في افتعال واضح ) أي .. أي .. لأه .. لأااه.. آآآآآآآآآآآآآآه.
ثابت : إيه يا بني ؟ .. في إيه؟!
نادر : لأ .. أنا بس باجرب .
ثابت : ما تستعجلش علي رزقك .. دلوقتي الحفلة تبتدي.
نادر : حفلة إيه؟!
ثابت : شكلك كده لسه جديد؟
نادر : لنج .. بشوكي .
ثابت : ما تقلقش .. دلوقتي يقّلعهولك.
نادر : هوه إيه ده؟!
ثابت : شوكك.
نادر : بس أنا مش هاقدر أستحمل.
ثابت : بكره تتعود.
نادر : ده أنا مش هاخد في إديهم غلوة.
ثابت : كلنا كنا بنقول كده في الأول .. لحد ما اتعودنا.
نادر : وافرض ما استحملتش؟!
ثابت : عادي.
نادر : هو ايه اللي عادي؟!
ثابت : ( يضحك بمرارة وسخرية )
نادر : بتضحك علي إيه؟!
ثابت : أصلها بسيطة .. أبسط
مما تتخيل.
نادر : إزاي؟!
ثابت : إعمل زي كل اللي سبقوك .. وما قدروش يصمدوا.
نادر : أعمل إيه يعني ؟!
ثابت : إعمل نفسك ميت.
( يترك ثابت
رأسه لتتدلي علي صدره كأنه ميت.. يفعل نادر بالمثل في تلقائية حتى يسود الظلام
تدريجيا ..
إظلام
المشهد الرابع
( جنازة
مهيبة .. يتقدمها الأب والأم في ملابس سوداء .. الشباب يحملون نعشا خشبيا مكتوب
عليه هنا يرقد الشهيد نادر علي نياته.. النعش مزين بباقات الزهور .. حبيبة في
صدارة المشهد .. سميح يهتف في تأثر )
سميح : لا إله إلا الله.
الجميع : لا إله
إلا الله.
سميح : الشهيد حبيب الله.
الجميع : الشهيد حبيب الله.
حبيبة : مش هانسلم .. مش هانبيع
الجميع : مش هانسلم .. مش هانبيع.
حبيبة : حق اخواتنا مش هايضيع.
الجميع : حق اخواتنا مش هايضيع.
حبيبة : يا نجيب حقهم .. يا نموت زيهم.
الجميع : يا نجيب حقهم .. يا نموت زيهم.
( تجوب
الجنازة أرجاء المسرح وقد تنزل إلي صالة الجمهور .. تتردد الهتافات .. حتي تختفي
الجنازة ويسود إظلام سريع .. أو تخفت الإضاءة ثم تعود شاحبة مع دخول سميح وحبيبة
وخلفهما حاملي النعش .. يظهر نادر من داخل النعش يشير لحامليه )
نادر : شكرا .. شكرا ..
خلاص يا جماعة .. نزلوني هنا لو سمحتم .. أيوه ..
شكر الله سعيكم .. نردهالكم في
الأفراح.
( ينزل نادر من
النعش ملفوفا بكفنه الأبيض، يمد يده مصافحا حملة النعش قائلا بامتنان .. لكنهم ينصرفون دون أن يعيروه أي اهتمام )
( يبقي سميح
وحبيبة يبكيان في تأثر بالغ وكأنهما لا يلمحان نادر )
نادر : ( في
مرح ) إيه الأخبار يا
جماعة؟! .. شوفتوني وأنا ميت؟!
سميح : ( باكيا )
آآه يا نادر ..
هاتوحشني أوي يا صاحبي.
نادر : خلاص يا سميح .. مشيو ..
سميح : آه يا صديق عمري .. يا خسارة شبابك يا نادر.
نادر : باقولك مشيو بأه .. ما تسوقش فيها.
سميح : آآآآه يا نادر ..
نادر : ما تقوليله حاجة يا حبيبة.
حبيبة : الله يرحمك يا نادر.
نادر : ( بضيق ) وماله .. الرحمة تجوز ع الحي والميت.
سميح : كان ولد .. راجل بحق وحقيقي.
نادر : أيوه كده يا سميح .. عايزك تقول لها كلمتين حلوين ..
استغل الموقف يا
أخي.
سميح : هو كان مغرور حبتين..
نادر : إيه؟!!
سميح : وطالع فيها..
نادر : يا راجل !!
سميح : ومصدق إنه فلتة عصره وأوانه.
نادر : ده مين ده؟!
حبيبة : ما تقولش كده يا سميح .. حرام عليك.
نادر : قوليله .. يا أخي خللي عندك شوية دم . ( يلكزه في
ضيق )
حبيبة : هو صحيح كان بيعمل حركات مش ..
نادر : مش إيه؟!
حبيبة : مش عارفة .. كانت تصرفاته غريبة أوي في الفترة الأخيرة.
سميح : بيقولوا الميت بيبقي حاسس قبلها باربعين يوم .
نادر : يا أخي جك أربعين عقربة لما يلدعوك ... ما تخليك محضر
خير .. بتقولك
حركات..
أنا برضه بتاع حركات؟!
( يضربه بغيظ ، سميح يتألم دون مواجهة نادر )
حبيبة : مالك يا سميح؟!
سميح : مش عارف .. حاسس بحاجات غريبة .. بس ده ما يمنعش إنه كان
صديق
مخلص.. وصاحب صاحبه بصحيح.
نادر : أيوه كده اتعدل .
حبيبة : كنت حاسة دايما إنه عايز يقول لي حاجة .. إيه هيه مش
عارفة.. كان دايما
متردد.
نادر : ماكنتش لاقي الفرصة ولا الوقت المناسب.
سميح : ما هو طول عمره كده .. لخمة، ويغرق في شبر مية.
نادر : ماشي يا سميح .. آه لو ماكنتش عامل نفسي ميت .. كنت وريتك
شغلك.
حبيبة : وثابت.
نادر : يوووه .. إيه اللي جاب سيرته ده كمان؟!
سميح : الله يرحمه ..
نادر : هو كمان لسه عامل نفسه ميت؟!
حبيبة : (في أسي ) إحنا ليه ما كناش معاهم؟! .. إحنا
أحسن منهم في إيه؟!
سميح : احنا ما قصرناش يا حبيبة .. مظاهرات ومشينا .. اعتصامات
وعملنا ..
ضرب وانضربنا .. سحل واتسحلنا .. لما
جلدنا اتسلخ ..
نادر : والله ما جصرتو ..
حبيبة : ومش هانسكت .. هانفضل نطالب بحقهم لحد آخر نفس..
نادر : أصيلة يا حبيبة .. طول عمرك أصيلة .. تستاهلي حاجة حلوة ( يتلفت باحثا
عن شيء ما، ثم يتجه إلي حيث النعش) أيوه..
سميح : (في حرج ) حبيبة ..
حبيبة : أيوه يا سميح؟!
سميح : كنت عايز أفاتحك في موضوع كده..
حبيبة : موضوع إيه؟!
سميح : بما إن ثابت راح.
حبيبة : الله يرحمه.
سميح : ونادر
كمان راح.
نادر : ( يعود حاملا باقة ورود جلبها من داخل النعش) راح
فين؟! .. أنا لا روحت
ولا جيت .. أنا كنت باجيب البوكيه ده
لحبيبة.
حبيبة : عايز تقول إيه يا سميح؟!
سميح : حبيبة .. أنا ..
حبيبة : انت إيه؟!
سميح : أنا ..
نادر : ما تنطق يا بني .. إنت علقت؟!
حبيبة : انت إيه يا سميح ؟!
( سميح يتناول
باقة الزهور من نادر ويقدمها لحبيبة وهو يهتف )
سميح : أنا باحبك وعايز أتجوزك.
حبيبة : إيه؟!
نادر : نعم يا خويا !!!!
إظلام
المشهد الخامس
( صوت دقات
الساعة يتسارع بطريقة ملحوظة .. يظهر نادر كشبح في الخلفية، بينما تسلط الإضاءة
علي الساعة .. نسمع صوت نادر .. )
نادر : تك تك تك تك .. تك تك تك . إيه ؟! .. إيه ؟!! ..متسربعة
علي إيه .. والله أنا
حاسس انك بترجعي لورا مش بتمشي لقدام ..
واللا ماشية بالفمتو ثانية ..
بذمتك مش لو كنتي ديجيتال كان أحسن من
شكلك كده من غير عقارب!! ..
آديني عملت نفسي ميت.. جنازة وشبعوا فيها
لطم .. ونصب تذكاري اتحطت
عليه صورتي .. وقصايد تمدح في بطولتي ..
وأغاني وحواديت ياما .. يا سلام
يا ريتني كنت عملت نفسي ميت من زمان ..
كله كوم واللي حصل لأبويا وأمي
كوم تاني.
( فجأة نسمع
أصوات صاخبة .. سارينة شرطة .. كلاكسات .. موتوسيكلات .. الخ .. بيت نادر حيث الأم
والأب يفاجئان بدخول علاوله محاطا برجال الأمن .. ويظهر المذيع والمذيعة ورجال الصحافة والإعلام .. يتقدم المحقق هاتفا
في صرامة )
المحقق : فين أسرة الشهيد نادر علي نياته؟!
الأب : ( في فزع ) خير يا باشا .. في إيه ؟!
الأم : اللهم اجعله خير!!
المحقق : احنا جايين ناخد بخاطرها.
الأب : تاخدوها هيه كمان؟ .. ليه؟ .. مش كفاية خدتوا نادر ؟ ..
يبقي الواد وأمه؟!
المحقق : ناخد بخاطرها .. يعني نواسيها.
المذيعة : وهكذا أعزائنا المشاهدين .. في سابقة تاريخية .. ينتقل
السيد علاوله ..
رئيس الحكومة .. شخصيا .. بشحمه ولحمه
..
المذيع : أي والله بشحمه ولحمه ..
المذيعة : إلي منزل إحدي أسر الشهداء لتقديم واجب العذاء ..
ولتكريم أسرة الشهيد المذيع : (
للأم ) ما تزغرتي يا حاجة.
( نسمع زغرودة
ممطوطة مسجلة بلاي باك .. بينما الأم متجهمة في حزن )
علاوله : ( في ضيق)
هات يا بني خلينا
نخلص.
( يناوله
المحقق شهادة تقدير مطوية .. وشيك .. يتقدم علاوله إلي الأب والأم .. يصافحهما
بفتور ويسلمهما الشهادة والشيك في شو إعلامي )
المذيعة : نشاهد الآن أعزاءنا المشاهدين .. مراسم تكريم أسرة الشهيد نادر علي
نياته .. في احتفالية شعبية فريدة
.. وتغطية إعلامية غير مسبوقة .. حيث
يتقدم السيد علاوله بمصافحة أسرة
الشهيد يدا بيد ..
المذيع : آه والله العظيم .. يدا بيد .. واللي مش مصدق .. الصورة
ما بتكدبش.
علاوله : هات يابني الشيك.
الأب : ( بدهشة ) شيك؟!
علاوله : أيوه .. ده مبلغ التعويض ..
الأب : تعويض إيه؟!
الأم : عليه العوض ومنه العوض.
علاوله : ( يعيد الشيك للمحقق ) بلاش .. نرجعه خزانة
الحكومة.
المحقق : أوراق المعاش يا فندم.
الأب : معاش؟! .. هاتطلعوني معاش مبكر؟! ..ليه يا بيه؟.. وأكل
عيالي منين؟!
علاوله : ده معاش اسثنائي .. عشان الشهيد.
الأم : وهو في
حاجة في الدنيا تعوض الضنا يا ناس؟!
علاوله : ( في تجهم
) مش عايزين المعاش
كمان؟! .. يرجع لخزانة الحكومة
( يعيد الأوراق للمحقق ) .. هات يا بني شهادة التقدير.
الأب : شهادة تقدير؟!
علاوله : مش عايزينها هيه كمان؟! .. خد يا بني ..
الأب : ( مقاطعا
في لهفة ) لأ .. هانعلقها
في أوضة المسافرين .. وأهي تبقي حاجة
من
ريحة نادر.
علاوله : ( يصافح
الأب وهو يقول للمصور بضيق )
صور يابني خلينا نخلص.
( ثم يرسم
ابتسامة عريضة وهو يصافح علي نياته ..
يسود الظلام ، ثم إضاءة علي المستوي الأعلى حيث
نادر في هيئته كما في المشهد الأول من الفصل الأول )
نادر : أبويا ما كانتش سايعاه الفرحة وهو بيعلق الشهادة ع
الحيطة ..
وبدل ما يقعد قدام التلفزيون يتفرج علي
خطب الزعيم زي عوايده ..
كان بيقعد بالساعات قدام صورتي ياخد ويدي
معايا .. قصدي معاها ..
وماما بطلت تقطع بصل .. الدموع بقت تنزل
لواحدها ..
دلوقتي بس عرفت سر عشقها لتخريط البصل ..
( الأب والأم في
بيت نادر .. يهبط نادر درجات سلم تفضي إلي مستواهما.. إضاءة خافتة أشبه بالحلم..
الأب يتأمل صورة نادر ويحادثه في ود )
الأب : تصور يا نادر .. كانوا عايزين يدوني تعويض .. ويصرفولي
معاش شهري
.. آل إيه .. معاش شهيد .. بس أنا ما
رضيتش.
نادر : ليه يا بابا؟!
الأب : هوه احنا بتوع الكلام ده يا بني؟!
نادر : وفيها إيه بس يا بابا؟!
الأم : يا دي العيبة .. انت عايزنا علي آخر الزمن نشحت من
الحكومة؟!
نادر : ده حقي يا ماما .. وحقكم .. وحق اخواتي.
الأب : لا يا حبيبي .. ده حق بلدنا .. انت عملت كده عشان شعب
باتستا يعيش كريم
.. مش عشان نصرف معاش واللا ناخد تعويض.
نادر : يعني حسيتوا بفرق يا بابا؟!
الأب : طبعا .. ده احنا بقينا في أمله .. في نعيم ما كناش نحلم
بيه.
الأم : انت ما شوفتش الناس بتعاملنا ازاي؟!
الأب : كفاية إنك عملت لنا قيمة وسط البني آدمين..
نادر : طول عمركم لكم قيمة .. بس الفقر والجهل والمرض قطعوا الطريق
وتوهوا الأمل.
الأب : ده احنا بقينا بنطلع في التلفزيون يا نادر.
الأم : وصورنا مالية الجرايد والمجلات..
الأب : جنب صورتك طبعا.
الأم : واخواتك .. بقوا بيتعلموا ويتعالجوا علي حساب الحكومة.
الأب : وانا عملولي مكتب مخصوص في المصلحة .. وركبولي مروحة سقف
تلات
ريش
.. وجابولي كرسي جلد بدل الخشب اللي جابلي الغضروف.
نادر : والعلاوة يا بابا ..
الأب : مابقيتش محتاجها ..
نادر : يعني لسه ماجاتش.
الأب : لغوها يانادر .. لأن المرتبات بقت بتكفينا وتفيض.
نادر : والبصل يا ماما ؟!
الأم : بصل إيه .. إحنا دلوقتي بناكل مشوي وسوتيه.
نادر : وأكوام الزبالة ؟!
الأم : بقت جناين وبساتين ..
نادر : والسجون؟!
الأب : بقت ورش .. ومصانع .. المكن ما بيقفش فيها ليل ولا
نهار.
نادر : والعيش؟!
الأم : سخن ومفرود .. تقولشي فطير مشلتت.
الأب : بيجيلنا طازة لحد البيت .. اليوم بيومه.
نادر : والحرية ؟!
الأب : خد نفس عميق .. إملا صدرك بعبير الحرية ..
الأم : بنتنفسها زي الهوا.
نادر : والعدالة الاجتماعية ؟!
الأب : الغفير زي الوزير ..
نادر : طمنتوا قلبي ربنا يطمن قلبكم .. سؤال أخير قبل ما أمشي ..
أخبار حبيبة إيه؟!
الأب: اطمن يا بني .. اتجوزت سميح ..
الأم : وعايشين في تبات ونبات .. وخلفوا صبيان وبنات.
نادر : ربنا يسعدهم هما وكل اللي زيهم ..
( إظلام تدريجي
.. نادر يصعد إلي مستواه الأعلى .. تدق الساعة دقات عالية غير صوت تكاتها المعهودة
في إعلان لرأس الساعة ..
نسمع صوت نادر..
نادر : ياسلاااااااااااااام ..
يا ريتني كنت عملت نفسي ميت من زمان..
فعلا الحرية تمنها غالي ما يعرفش قيمتها
غير اللي اتنفس هواها ..
وما فيش أحلي من إنك تموت عشان غيرك يعيش
..
خصوصا لو كانوا يستاهلوا ..
أنا شخصيا .. استفدت من التجربة دي حاجات
كتير ..
فاكرين الأستاذ فايزعلي نفسه؟! ..
أيوه .. بتاع الشقلباظ.
( المشهد التالي يتم في مستويات مختلفة في لقاءات متنوعة مع الشخوص التي
مرت بنا طوال أحداث المسرحية بين إضاءة مستوي وإظلام الآخر، بينما نادر يتابع ردود
الأفعال من مستواه.. قد تكون الإضاءة عبارة شموع بأيديهم .. في طقس جنائزي مهيب..
تصحبه موسيقي مناسبة )
فايز : نادر؟! .. أيوه فاكره .. الله يرحمه .. ده كان تلميذي ..
أنا اللي مأسسه .. أنا
اللي
زرعت الفكر الثوري جواه .. من صغره وهو فلتة .. نابغة .. وياما قلت
له يا نادر أنت هاتبقي حاجة عظيمة.. وأهو بقي
شهيد قد الدنيا.
بديع : ده فخر لينا إنه اتخرج من كليتنا ... من يومه وهو صاحب
نظرة سياسية ثاقبة
.. وحس وطني من أعلي ما يمكن .. الله يرحمه.
شريف : كان صديق عزيز .. قبل ما يكون زميل .. ياما حضرنا ندوات ومؤتمرات
وخرجنا في مظاهرات ومسيرات مع بعض ..
يااه .. كانت أحلي أيام.
رفعت : كان لسه متخرج جديد لما اشتغل في مكتبي .. كان شعلة نشاط
.. أنا .. ولا
فخر،
أول من تنبأ له بالشهادة .. والحمد
لله .. أهو نالها.
سميح : كان صديق عمري .. كان دايما سابقني بخطوة .. لأنه كان بيقدر يعمل اللي
أنا مش قادر اعمله .. كان جريء ..
دايما يقول اللي مش قادر أقوله .. بعد
ما مات .. باحاول .. إني أكون واحد
علي عشرة .. زيه.
حبيبة : كان حنين أوي .. ورومانسي جدا .. شهم .. وألف بنت
تتمناه .. أنا فعلا
حبيته .. زي أخ .. يخاف علي أخته .. ويحميها
.. ويحابي عليها.. عمري ما
هنسي يوم ما فاداني بروحه لما سحلوني
وعروني.
الأم : نادر وحشني أوي
يا علي نياته.
الأب : وأنا كمان .. نفسي آخده في حضني زي زمان.
نادر : وانتوا كمان ..
وحشتوني ..
.. وحشتوني أوي .
إظلام تدريجي ..
حتي يسدل ..
ستار الختام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق